االحاكم .. واغتصاب الأرض

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي 

الإسلام العظيم حرم ولم يجيز وبكل قوة وحزم ان تغتصب الارض المملوكة لأي كائن من كان فقيراً او غنياً وضعيفاً او قوياً لا قامة عليها .. [ مرافق عامة ] .. وخاصة 
..(([ المساجد ]))..، إلا بموافقة صاحب الأرض . وقد ورد في تراثنا الإسلامي العظيم الكثير والكثير من القصص والعبر والمواعظ والمواقف والتي منها : قصة شراء نبي الله سليمان عليه السلام لأرض بيت المقدس . حين أراد بناء هذا المسجد العظيم . 
فالمسلم الحق .. صافي القلب .. طاهر الفؤاد .. نظيف الباطن والظاهر .. والمخلص لدينه ، ناصح لإخوانه .. بل إنه ناصح حتى على نفسه .. اذا طلب منه النصح .. يقول الحق مهما كان ، وامام من كان . وهذا ما فعله نبي الله سليمان عليه السلام . 
حيث ذكر المؤرخون في قصة شراء نبي الله سليمان عليه السلام للأرض التى بني عليها بيت المقدس ، انه جاء نبي الله سليمان إلى صاحبها فقال له : بكم تبيعها . 
قال مالك الارض : بمئة ألف . قال سليمان : اشتريت . 
ثم قال البائع : استنصحك يا نبي الله المال خير ام الأرض ؟. 
قال نبي الله سليمان: بل الأرض . قال صاحب الأرض: أقلني . قال أقلتك ، بكم تبيعها ؟.
قال : بمئتي ألف . قال اشتريت . 
ثم قال : يا نبي الله المال خير أم الأرض ؟. 
قال سليمان : بل الأرض . قال : أقلني . قال : أقلتك بكم تبيعها ؟.
فلم يزل كذلك معه حتى بلغ خمسمائة آلف .. عندها قال سليمان عليه السلام له :
أختر انت لنفسك بكم تبيعها ؟.
قال : لا أبيعها إلا ان تملاؤها على ، نعماً وغنماً وابلاً وبقراً . ففعل . ثم أشتراها . 
انظر يا أيها المتلقى كيف تم التراضي بينهما في البيع والشراء ، دون ..(([ الغش])).. او استخدام ..(([ قوة الحاكم ]))..،. 
ومن أجل التوضيح الأكثر أرجو ان تقرأوا معي هذا النص الاسلامي العظيم وهو انه : (( روى الامام البخاري في صحيحه ( رقم الحديث 6707 ) عن أبي هريرة قال : لقد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع ، فأهدي رجل من بني الضبيب يقال له رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له مدعم ، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى وادي القرى حتى اذا كان بوادي القرى بينما مدعم يحط رحلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا سهم عائر فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كلا والذي نفسي بيده أن.. [ الشملة ] .. التي أخذها يوم خيبر من الغانم لم تصبها المقاسم لتشعل عليه ناراً ) فلما سمع ذلك الناس جاء بشراك او شراكين الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( شراك من نار او شراكان من نار ). فكروا معي .. [ الشملة ] .. ادخلت المسلم مدعم النار . فما بالكم بمن يأخذ أموال واراضي عنوة وقوة . 
إن ما يريده أبناء الشعب هو تطبيق الشريعة الاسلامية في قضايا الحق والحقوق . في اعتقادي ـــ هكذا آظن ـــ ان أي مشروع تنموي او تطويري او استثماري لا يحتاج الى .. [ فتوى شرعية ] .. ما دام انه يتم تنفيذه عبر منهج ..(( التراضي )).. أي بالبيع والشراء ، أن الحاجة الى ..[ الفتوى الشرعية ] .. تبرز في حالة وجود الخلاف وعبر الظلم في نزعات وشكاوى نزع الملكية . عندها ترتفع الاصوات ضد المشروع . كما انه لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية : 
1/: ان يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل . 
2/: ان يكون نازعة ولي الامر أو نائبه في ذلك المجال . 
3/: ان يكون التزع للمصلحة العامة التى تدعو إليها ضرورة عامة او حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور . 
4/: ان لا يؤول العقار المنزوع من مالكه الى توطيفه في الاستثمار العام او الخاص ، والا يعجل نزع ملكيته قبل الآوان . 
فإن اختلت هذه الشروط او بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الارض والغصوب التى نهى الله تعالى عنها و رسوله صلى الله عليه وسلم . على انه اذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار اليها تكون اولوية استرداده لمالكه الاصلي ، او لورثته بالتعويض العادل . 
لا نريد ان يغتصب مال الغير بقوة السلطة ، فالظلم ظلمات يوم القيامة . وقيل : ان المغصوب لا تجوز الصلاة فيه . وقال الشافعي ـــ رحمه الله ـــ ( وما من يد إلا يد الله فوقها وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم ). فإن ظلم صاحب القرار في المشروع أصحاب الحقوق والملاك فسيعاقبه الله من فوق سبع سماوات . فإن وقعنا في هذا المأزق لا سمح الله فلن يغفر الله لنا ، ولن يرحمنا التاريخ ، ولن تنام ضمائرنا المعذبة أصلاً . 
كما وضع مجلس ومجمع الفقة الاسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجده بالمملكة العربية السعودية من 18 ـــ 23 جمادى الاخرة 1408هـ القرار رقم [ (4) د 4 /08/88 ] بشأن انتزاع الملكية للمصلحة العامة . حيث نص القرار على التالي: 
(( اولاً يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها ، ولا يجوز تضييق نطاقها او الحد منها ، والمالك مسلط على ملكه ، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع الانتفاعات الشرعية )). 
كما ورد في تراثنا الإسلامي العظيم الكثير من القصص الرائعة التى تدل بوضوح على عدم جواز نزع أي عقار إلا بموافقة صاحبه وإن كان .. [ لمصلحة عامة ].. مثل القرار الاسلامي الذي أتخذه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أمر واليه على مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه بإعادة دار .. [ المرأة اليهودية ] .. وفي رواية أنها .. [ قبطية ] .. لها دارها وقد أدخلها عمرو في بناء مسجد . وقال له : (( أتذكر يوم كسرى يا عمرو )). فأعاد عمرو الدار لتلك المرأة . 
بعد هذا التوضيح المبني على .. [ مبادئ وقيم وأخلاق وقواعد ] .. الدين الاسلامي العظيم وكذلك .. [ قواعد وطبائع المنطق ] ..،. ومنح المواطن.. [ فرصة الاختيار ] .. دون ان تفرض عليه ضرورة النزع او المساهمة او المشاركة في أي مشروع تنموي او استثماري . وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة ، والتي يسعى الحاكم لتحقيقها . 

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض ، ويوم العرض ، وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
  Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: