خطباء مساجدنا

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

يظل حديث المجتمع العربي قائما عن تردي أوضاع .. [ خطباء مساجدنا ].. في منطقة العالم العربي ، ونفور الشعب من بعضهم ، ولا ازعم هنا أنه يمكن وبسهولة حل هذه الجدلية ، ولكن يمكن لي أن اهتدي إلى طريقة معينة لذلك . من خلال مناقشة هذا الأمر بوضوح وشفافية . 
لقد أوجد البعض منا نحن أفراد المجتمع ــ بقصد أو بغير قصد ــ في تفويض أسس كثير من القدسيات الزائفة ، لبعض خطباء المساجد . فالبعض يعامله كأنه ملك نازل من السماء ونلاحظ أن بعض السدج يتمسح به وبعباءته وكان البركة هابطة معه من السماء . 
أعطى البعض وأؤكد على .. [ البعض ].. ولكنهم كثير ، أعطى نفسه حق .. (( لغة الفتوى الجاهزة )).. التي يطلقها من فوق المنير ، وامتلك لغة الاتهام للشعب بالتحجر والتقلد . وهذا التفكير ما أوجد سر التوتر الدائم في العلاقة بين الخطباء والشعوب .
أني ـــ وهذا رأي الشخصي ـــ أرى أن من ضمن أسباب التوتر والكراهية والكره في بعض الحالات هو أنه يتبعد الخطباء عن تناول جذور المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية التي تستوجب المعالجات . ولكنهم يركزون على قضايا العقيدة فقط بالحديث والتركيز على النار ، وكأن النار خلقت فقط للشعب الخليجي أو العربي . بل وجدت أن بعض الخطباء يمكن أن يحدد لك رقم كرسيك في النار . من شدة معرفته بجهنم وأهلها ، وينسون ــ بقصد أو بغير قصد ــ فقه المعاملات ، فقه الأولويات ، فقه المقاصد ، فقه الضرورات ... الخ. 
بل أنني لاحظت ـــ وربما غيري ــ لاحظ أيضا أن بعضهم يرتبك أحيانا على مستوى تميز ما هو قشرى وما هو أساس في الكثير من القضايا المجتمعة المتراكمة . أنهم لا يجيدون قراءة القضايا بقدر من الجدية والمسؤولية ، بل يقتصدون كلامهم على عبارات حادة يطلقونها في معظم الخطب شجباً واستنكاراً ، يكون ذلك بدافع الانفعال الطارئ .
وبعض الخطباء يستمد خطبته من قناعات ومواقف تملى عليه من شيوخه وأساتذته ، او من أصحاب المساجد الفاخرة والقصور العامرة . ويغفلون عن مطالب وقناعات ومواقف الطبقة المسحوقة والتي تنادي بأقل الأثمان للعيش وتطبيق العدالة والمساواة في الحقوق والأحكام الشرعية . فلم اسمع في حياتي كلها خطيب مسجد ينتقد القضاة وأحكامهم الجائرة ولا يتناولون شئ من سطوة الجلادين من المسؤولين .
أن كثير من خطبائنا اليوم يسعون للتمويه على حقيقة ما يدور في المجتمع ويصرفون أنظار الناس عن طريق الصراخ والزعيق إلى قضايا العقيدة وتكفير الناس والدعوة لقتلهم . والدعوة لممارسة الجهاد فكرا وسلوكا وكل ذلك ضد السلطة والمجتمع معاً . يقولون ذلك بلا حرج ولا تورع ، بل الانكى من كل ذلك أنهم يعتبرون ما يقولونه من كلام عبادة يستحقون عليها الأجر والثواب . 
لقد برزت وتأكدت ظاهرة التعصب وضيق الأفق في الجانب العقائدي والفكري والثقافي عند كثير من خطباء مساجدنا . حتى صارت الخطبة افيون للشعب وآلة من الآت القمع الديني . 
يا خطباء المساجد كل خطبة تظهر وتقال تقوم على أساس تلبية متطلبات زمانية واجتماعية وفكرية وتحمل توجها ديناً يوظف الدين لخدمة المجتمع ، ولا تكتسب صفة الغلو ، أو الطابع النقدي العنيف ، ولا تحتج على كل شئ يصدر من السلطة الحاكمة ، وتحترم كل أنواع التحولات الاجتماعية . ولا تصطدم مع مطالب واحتياجات الناس . ولا تلصق الخيانة بالمواطن أو ا لمسؤول . ولا بد للخطيب أن يحترم ويقدر التأقلم مع حاجات الجيل الشاب . ويتفهم الشكل المنطقي الاستدلالي لقضايا المجتمع . 
أن الخطيب ينبغي ، بل يحب ، أن لا يكون متعصب تعصباً أعمى ، بمعنى أنه غير قادر على تحمل راي المخالف ، بل أنني وجدت الكثير من الخطباء ليس لديه أدنى استعداد للإصغاء للناس ومناقشته في أسلوبه وسلوكياته وأسلوب خطبته وكان المسجد الذي يخطب فيه هو ملك من أملاك ابوه . وقد يكون الخلاف مع الخطيب في نمط التفكير وطبيعة المزاج ، وأسلوب ألقائه للخطبة وما يرافقها من صراخ وزعيق وعويل ، وربما أذا اختلفت مع بعضهم يقف في الخطبة القادمة ولا يتورع عن تفكير الناصح له وبدون تردد هذا هول حال بعض خطبائنا وللأسف الشديد .
أتمنى ، أتمنى ، صادقاً أن تصدر الأجهزة الحكومية العربية المتخصصة تعليمات وأوامر وتوجيهات لكل خطباء المساجد بضرورة الاطلاع على جميع الآراء في القضية الاجتماعية والدينية والفكرية ، وان يقبل بأفضلها وأوفرها على الحجة والدليل وأقربها من المنطق السليم وأن يقول للناس قابلا وصالحا للعمل والإتباع ، وان يصغى للكلام الذي له قيمة دينية واجتماعية متفق عليه . وان يدعو لثواب الأعمال وخيرها وليس تنفير الناس . ودفع الشباب لعمل فضائل الأخلاق بكلام هادئ وغير منفعل . وأن يقنع الشباب بخطر وخطورة الكسل والنوم المستمر وطاعة الوالدين وبرهما وضرورة احترام الكبار ، وان يكافح الفكر المنحرف بما يواكب المتغيرات الحديثة والتغيرات العصرية المتلاحقة . فلقد أوضح صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي في كلمة ألقاها مساء يوم الأربعاء 16/10/1429هـ. بجامعة ام القرى عقب افتتاحية ندوة الأمن الفكري ونشرت بجريدة عكاظ بعددها ( 15391 ) قال : (( أن المساجد والجوامع لم تقم بالدور المأمول منها في تحقيق الجانب الأمني ، مؤكدا أن الدور المطلوب من منابر مساجدنا لم يتحقق الى هذه اللحظة ... )).
المهم ان المستمع للخطبة يهمه أن يتطرق الخطيب إلى أمر جديد ويطرح عليه فكرة مسموعة . فالهدف من الخطبة التوعية والإرشاد والتنبيه والتنويه للأخطار والأخطاء ، ليحصل الثواب والآجر . 
وبطبيعة الحال أن الناس تفكر دائما ماذا سوف يقول الخطيب ؟، وليس كم يقول ؟!. تريد الناس أن تسمع خطبة ذات طابع تجديدي ، ويرفضون الخطب الجامدة التقليدية خطبة تحترم التحول الاجتماعي . 
وهذا ما يدعو بالضرورة لعلم دورات تدريبية للخطباء لتقويم أرائهم ومراقبة سلوكياتهم وتقنين كلام . 
ويا أمان الخائفين !.

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611 
 Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: