شهــوة الكــــلام

 بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

العمل السياسي عادة له بريق ولمعان شديدان تجذب حتى الشيطايين ، لذلك نشاهد في كل المؤتمرات ، واللقاءات والندوات العربية ، الكل يريد ان يتكلم في ذلك المحفل والجميع يريد ان يسرق الأضواء اليه. لانه يريد ان يشبع ..[ شهوة الكلام ].. والتي اشتهر بها العرب حكام وشعوب وحكومات . هناك تفسير نفسي يقول قد تكون هناك لحظات مطلوب فيها ان يتكلم المسؤول او .. او .. او .. او .. ، لانه لا يجد المنابر المناسبة للحديث والتكلم فيها في وطنه الا عبر تلك الفجوات في المناسبات الرسمية العربية . انه ضغط الوسائل المغلقة. انه تنفيس المكبوت .  
والبعض من الزعماء والحكام والامراء والوزراء والمسؤولين يتحدث بدون إثارة أي حساسيات مع الغير ، والبعض قد يتكلم في دقائق قليلة ولكنه يتعمد الى اثارة كل انواع الحساسيات مع الكل. وهذا النوع من المسؤولين هو امتداد طبيعي لتاريخنا العربي الملئ بمثل هذه النماذج التي لا تشبع من الكلام والظهور.
والإنسان العربي الميزان عنده يكون في صدق الكلام عبر .. [ فعل الإثارة ].. اثناء الكلام . وقد يكون .. [ فعل الإثارة ].. يأتي من اعلى مستوى في هرم الدولة . وهذا مخالف لقيمنا واخلاقنا الاسلامية . وهذا الاسلوب فات وقته ومضى اوانه . في حين ان عقيدتنا الاسلامية تدعو ان نقول ونفعل ، وينهى الاسلام ان نقول مالا نفعل فقال تعالى : [كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ] {الصَّف:3}
في حين اننا نشاهد ونسمع في المؤتمرات واللقاءات والندوات في الدول الغربية انهم قليلون في الكلام ، ولكنهم يفعلون اذا قالوا . فهم اصبحوا يطبقون اخلاقنا وقيمنا التي دعا لها الاسلام ، وهذا عمر بن الوردي يقول : 
جانب السلطان واحذر بطشه لا تعانــــــد من اذا قـــــال فـــعل 
لقد اصبحت الدول العربية دول .. [ كلام وحكى ].. ولكن أي كلام او حكى لا يفيد اذا كان كلام لا ينتج افعالا فقد تجد مسؤلاً عربياً متوسعاً في الافكار السياسية والاقتصادية ، ولكنه .. [ مكلمجني ].. حسب قول إخوننا المصريين او .. [ هريج ].. حسب تعبيرنا المكي . و قد تجد مسؤولا عربي أخر يظلم الحقيقة وهو كنافخ الكير ، وعندها تظلم الحقيقة بظلم تاريخنا وكفاحنا ، وقد تجد مسؤولا عربي يدعو بكلامه الى انهيار بعض قيمنا واخلاقنا وانهاء الدور العربي . فاصبحت شهوة الكلام تكشف اننا بعضنا ضد بعض . 
لذا غالبا ما نجد أن المواطن العربي والمسلم اصبح يكفر بفكرة ما يقوله المسؤول العربي ايا كان مستواه ولا يصدق ما يقوله . وحين يفعل ذلك المسؤول العربي واعنى اهتمامه الكبير بشهوة الكلام . فانه يقصد التأثير على قوي الرأي العام الشعبية . وفي المقابل ينسى ان الشعب اصبح يملك قدرة رهيبة في التمييز بين شهوة الكلام وقول الحق . وعندما اتجه المسؤول العربي لفعل ذلك فانه قد خلط بين الاداة واصل الشئ . وذاك هو نوع من انواع الإلحاح التعسفي السلطوي . 
أن هناك مجموعة عناصر وعوامل من البطانة المحيطة بالمسؤول العربي تحاول معه على ان يلغي فكرة عقول الناس حين يتحدث اليهم ويعتبر كل من هم امامة يسمعونه مجموعة من قطعان البهائم. وهذا الاتجاه اعطى قوة في التأثير على تفكير المسؤول . 
ان الإنسان العربي يريد من المسؤول قول الحق وكشف الحقيقة ، ولا يريد المبالغة ، ولا يريد الكذب ، ولا يريد زعيما يكذب عليهم فيقول لهم : سنلقي اسرائيل في البحر ، وآخر يقول انه سوف يحرق اسرائيل او نصفها ، والثالث يريد ان يستعمر الولايات المتحدة الامريكية . ورابع يريد ان يصل الى غرف نوم كل الزعماء والحكام ... الخ .. الخ ، من أكاذيب اطلقت علينا نحن معشر الشعوب العربية الغلبانة . وكنا نصدق ذلك الكذب ، بل كدنا ان نغرق في التفكير فيه . 
وعما قريب ، ونتيجة لنمو وتطور .. [ شهوة الكلام ].. وانتشار آلياتها واجهزتها الفضائية توقعوا ان يأتي إلينا مسؤول عربي ويقول ويكذب علينا فيقول لنا . 
سوف احضر لكم جثة عنتر بن شداد محنطة . 
سوف احضر لكم الزير سالم وهو مكبل بالقيود .
سوف احضر لكم هامان وزير فرعون وهو مريض .
سوف احضر لكم قارون وأمواله وثرواته ليوزعها على العرب بالتساوي . 
سوف احضر لكم صلاح الدين الايوبي لاعطائه حقنة تشفيه من مرضه .
ولأن .. [ الكلام ].. قوي التاثير على النفوس البشرية ، ولأننا كنا نحن العرب في يوم من الايام نصدق حين نقول ونتحدث ، فان الأمم كانت تخاف منا . وكنا إذا قلنا فعلنا . مثلما فعل المعصتم بالله حين اجاب دعوة تلك المرأة العربية وفتح عمورية . 
علينا اليوم ، ان ننتقل من مرحلة النقد الى مرحلة فهم أسباب وظروف هذه الظاهرة السياسية . ولكى نستطيع فهم ذلك فان الأمر يتطلب مشقة في التفكير ، لان الواحد فينا محاصراً بمقدار ما من الخوف . وفي حالة الفهم في التفسير ثم التعليل فنحن محاصرون لأننا عاجزين عن فهمنا لنفسيات المسؤولين المتناقضة والمتقلبة. ولأن هناك حالة غموض كبيرة محيطة بهم . 
وبسبب الخوف تأكلنا من الداخل !. وكدنا ان نسقط ونحن واقفين
فلماذا تسيطر علينا وعلى المسؤولين .. [ شهوة الكلام ].. بهذه القوة الفاعلة ؟. وهذه الشهوة ترتقي فينا على كثير من شهواتنا ، خاصة أن بعض المسؤولين لدينا يستطيع أن يتكلم في كل شئ ، وفي كل علم ، فهو يتحدث في السياسة ، وفي الدين ، وفي الطاقة النووية ، وفي الطب ، وفي المناخ ، وفي الحيوانات . وما يلفت النظر ان المصيبة الكبرى حين يتحدث المسؤول عن .. [ الفضائل والأخلاق ].. وهو ملوث . 

أن الغرب أهل فعل ولا يتكلمون إلا حين يفعلون ما يريدون . فهذا ( نابليون ) بعد اصبح امبراطوراً واستقر حكمه ، أرسل في طلب وإحضار أمه من ( كورسيكا ) . وعندما حضرت اليه وفي ابهة القصر الامبراطوري والجنود والحاشية حوله قال لها : ((أصبحت امبراطوراً يا أمي !. فقالت له : عساه ان يبقى )). وفي الاخير لم يكمل ذلك الامبراطور !.
افهموا الدرس .. واحفظوا النتيجة !.

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611 
Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: