بنو شيبه وخدمة الكعبة

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي
بعد نشر لي عدة مقالاتي عن آل الشيبي اتصل بي بعض القراء واقترحوا عليّ ان اضيف مقالات اخرى عن قصر لسادن الكعبة ان يقوم الاغنياء والاثرياء المكيين بالتبرع لبناء هذا القصر . وقال أن الفكرة فيها وجاهة وتمنى ان تنفذ . 
ان للحديث عن .. [ آل شيبي ].. له نكهة مميزة وممتعة ، وجاذبة وتعيدنا لعظمة ورقى العوائل المكية العريقة . وما قدمته من خدمات جليلة وعظيمة لمكة المكرمة وأهلها المباركين . 
تقول الكتب التاريخية أنه بعد أن اعطى قصى لأكبر أبنائه .. [ عبدالدار ].. سدانة الكعبة ، وهذه .. [ السدانة ].. تعتبر أهم وأفضل وأعلى .. [ الوظائف الدينية ].. في مكة المكرمة ، منذ آزل التاريخ . ولها قداسة وهيية في ذهنية المكيين . 
وأل شيبي يعدون العائلة المكية القرشية الوحيدة في التاريخ البشري . التي ذكرت في القران العظيم ، حين نزل سيدنا جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه قوله تعالى : (( [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا] {النساء:58} ثم دعا سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم 
 السادن حينذاك وهو / عثمان بن طلحة ، وسلمه مفتاح الكعبة ، وأقره واسرته على وظيفة .. [ السدانة ].. وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : (( حذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذ منكم إلا ظالم )) يا سلام على هذا النص النبوي الخالد والعظيم . 
ثم صارت وظيفة .. [ سدانة الكعبة ].. إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، وهو جد الشيبين . ومنذ عام 42هـ. وهو تاريخ الاستلام ومسؤولية .. [ مفتاح الكعبة المعظمة ].. وسدانة البيت العتيق وحجابتها وكل شؤونها هي وظيفة يتوارثها أب عن جد الشيبيون . كان ذلك الشرف العظيم أمانة في أعناق بين شيبة ــ رعاهم الله جميعاً ـــ. 
وعرف واشتهرت عائلة آل الشيبي بالاستقامة والورع والتقوى وتمتعهم بالاخلاق الفاضلة ونبغ منهم الكثير رجالا ونساءاً ، وحملوا أعلى الشهادات العلمية والمميزة . بل تقلد بعضهم مناصب رفيعة المستوى في الدولة وتزوجت نسائهم من شخصيات مكية عريقة النسب والمكانة ورفيعة القيمة . 
لقد خدم بنو شيبة الكعبة فرفع الله بخدمتهم تلك شأنهم وعلى مر العصور . فذكرت سدانة الكعبة في بعض الأحاديث النبوية البشرية. ولعل أهم أعمال..[السدانة ].. هي فتح باب الكعبة المعظمة وإغلاقه . وتشرف الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء بغسل الكعبة . وكذلك تلبيس الكعبة المعظمة الكسوة وغسيلها واستلام الكسوة ، وتطيب الكعبة المعظمة بدهون العود والورد وغيرها من أنواع العطور الفاخرة . ويذكر مؤرخ مكة المكرمة الشيخ طاهر الكردي في كتابه الشهير تاريخ البلد القويم فيقول : (( إن سدانة الكعبة المشرفة . متعلق أمرها بسدنتها وحجتها بني أبي طلحة العبدريين الحجبيين . لا يجوز لأحد المداخلة في أدنى شؤون بيت الله الحرام ، لأنها ولاية من الله ورسوله . ولا تقاس بغيرها من الوظائف ، وهذه الوظيفة على موجب ما هو معلوم ثابته لهم جاهلية وإسلاماً )).
ويذكر البيهقي في كتابه / دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريفة : (( ولا يجوز لأحد أن يتولى هذه الوظيفة غيرهم ، أو ينزعها منهم ، ففي كتابه ( القوى لقاصد أم القرى ) صرح المحب الطبرى مفتى الحجاز وعالم مكة وقاضيها في النصف الثاني من القرن السابع الهجرى بأنه لا يجوز لأحد ان ينزعها منهم . لأنها ولا ية من رسولا الله صلى
الله عليه وسلم 
 وبه اجمع علماء مكة المكرمة ومفتوها )).
هذا ويذكر الدكتور سلام شافعي محمود سلام في دراسة له نشرت بمجلة الدراسات العربية وبالعدد الخامس قال : (( والثابت أننا لم نجد طوال دراستنا لهذا الموضوع أن أحداً من الخلفاء او السلاطين أو الأمراء ممن كانت لهم ولاية على مكة أقدم أو اجترأ على انتزاعها منهم ، او إقصائهم عنها ، مهما كان خلافة مع زعامات البيت الشيبي ، أو بعض أبنائه بني أبي طلحة ، لان انتزاعها منهم مخالفة لأمر الله عز وجل وفعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم 
 وفي الحديث " لا ينزعها من أيديكم إلا ظالم " وهو أمر يتحاشاه كل ولاة أمر المسلمين )).
وجرت العادة والعرق ان يكون سادن الكعبة الأكبر سنا من آل الشيبي وذلك اقتداء بسنة سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم 
 كما ورد في فتأوي الكازروني حيث قال : (( ان تقديم السدنة في أكبرهم سنأ من فعله صلى الله عليه وسلم 
 ، لأنه دفع المفتاح يوم الفتح الى عثمان لأنه أكبرهم سنا مع وجود شيبة بن عثمان بن أبي طلحة . فلما هاجر عثمان الى المدينة دفع المفتاح الى ابن عمه شيبة ، فلما رجع عثمان إلى مكة ــ بعد وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم 
 ــ أخذ المفتاح منه ، وبقى في يده إلى أن مات سنة 42هـ/663م. فتولى السدانة ابن عمه شيبة .
وأما عن كيفية غسيل الكعبة المعظمة وأيام الغسيل فلقد أختلف المؤرخون في ذلك فيذكر الدكتور سلام شافعي في دراسته عن ذلك فيقول : (( لا يخفى ان كل شيء في الدنيا معرض للاتساخ ، والكعبة المعظمة المشرفة مصانة محفوظة من الاوساخ ، فلا نوافذ فيها ولا فتحات سوى الباب . ولكن قد يطرأ عليها ما يوجب تنظيفها وغسلها من الغبار الذي تأتي به الرياح ، ومن ازدحام الناس على زيارتها والدخول باطنها.
وغسل داخل الكعبة من أعمال السدانة ، ومن اختصاص الحجبة ، والأصل في غسل الكعبة لتطيرها في الجملة وغسل باطن الكعبة ، سنة واقتداء بالنبي صلى
الله عليه وسلم 
 اذ كان عليه الصلاة والسلام أول من أبتدأ غسل الكعبة ، وذلك يوم الفتح ( فتح مكة ). فبعد أن كسر الأصنام ، وأزال عنها معالم الشرك والوثنية أمر بغسلها ، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم 
 أمر بغسل الكعبة بعد أن كسر الأصنام وطمس التصاوير ، فتجرد المسلمون من الأرز ، وأخذوا الدلاء وارتجزوا على زمزم ، وغسلوا الكعبة ظاهرة وباطنها ، فلم يدعوا أثراً من آثار المشركين إلا غسلوه ومحوه . 
ويعلق الفاسى على هذا الخبر عند ذكره لغسل الكعبة بقوله : (( وإنما ذكرنا هذا الخبر لما وقع فيها من غسل الحجبة ، ويكون هذا الخبر كالشاهد بذلك ). هذا هو اليوم الاول الذي يقدم ، فيه الشيبيون بغسل الكعبة المشرفة . اما عن اليوم الثاني الذي كان يقوم فيه الشيبيون بغسل بيت الله الحرام فإن أول من أشار إليه هو التجيبي السبتى في كتابه ( مستفاد الرحلة ) عندما حج الى مكة في سنة 696هـ/1297م وشهد الاحتفال بغسل الكعبة المشرفة على يد سدنة البيت ، وذلك في ضحى اليوم السابع والعشرين من ذى القعدة ، فبعد فراغ زعيم الشيبين أحمد ابن ديلم الشيبي ( شيخ الحجبة وفاتح الكعبة ) من قطع الجزء الاسفل من كسوة الكعبة فيما يسمونه ( إحرام الكعبة ) وأعانه على ذلك سائر الشيبيين نزل من على الكرسي الذي كان يقف عليه ــ وفتح باب الكعبة المعظمة ، ودخل هو آله وبعض من كان لهم به عتقاء ونقل لهم الماء من زمزم المباركة ، وغسلوا البيت المطهر الشريف . 
أما في عصر الفاسى ( ت 832هـ/1428م) اشهر مؤرخي مكة في القرن التاسع الهجري . فإن الكعبة المعظمة كانت تفتح في بكرة التاسع والعشرين من رجب من كل سنة لغسلها ــ اذ يختص النساء بدخولها في هذا اليوم أكثر من الرجال وذلك قبل غسلهاـ كعادة الشيبيين ، كما كانوا يفتحونها في بكرة السادس والعشرين من ذى العقدة ، ولا يدخلها في هذا اليوم إلا الاعيان من الناس وفتحها في هذا اليوم لأجل غسلها .
واذا كانت عادة الحجبة آل الشيبي ان يقوموا بغسل الكعبة في بكرة السابع والعشرين من ذى القعدة وذلك بعد تشميرها أي إحرامها ، في هذا اليوم ، كما جرت العادة فإن معاصريه من السدنة قدموا موعد غسلها يوما وجعلوه في بكرة السادس والعشرين ، والسبب في ذلك ــ كما يذكر الفاسى ــ ان الشيبيين أجروا تعديلاً على مواعيد عدد من المرسم التي كانوا يقدمون بها ،إذ جعلوا تشمير كسوة الكعبة من جوانبها الاربعة الى عتبة الباب السفلى في اول نهار الخامس والعشرين وخصصوا ضحى السابع والعشرين من ذي العقدة ليكون الذي يقطعون فيه كسوة الكعبة من فوق الباب مع ما شمروه من قبل . 
في أوقات غسل الكعبة في عصر الفاسي ، إلا أن صاحب ( إتحاف الوري ) يذكر ان ( شيخ الحجبة وفاتح الكعبة ) عمر بن راجح فيشرفون بالمشاركة في غسل ( الكعبة البيت الحرام ) ، مع آل الشيبى سدنة البيت المرموقين الذين يعدون العدة لمراسم هذا الاحتفال الكريم .
ولا شك أن الشيبيين كانوا يفتحون الكعبة لغسل باطنها اضطراراً إذا علت مياه السيول عتبتها ، وانساب من خلل الباب الى داخلها . 

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk



ليست هناك تعليقات: