تراب مكة الطاهر

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

تجتمع النفوس والأفئدة في مكة المكرمة ، ومن كل ناحية وزاوية من هذه الأرض التي تشكوا قسوة وظلم وجور الإنسان. فيأتي الجميع إلى مكة المعظمة والمقدسة . فيفعلون فعل البكاء والصراخ والشكوى لرب العالمين الواحد القهار الرحمن الرحيم.
هذا التراب المكي العظيم الذي ميزه الله على سائر تراب الكون ، حين كلف الملائكة ببناء بيته المعظم والمقدس من هذا التراب الطاهر . تراب له خصائصه النفسية والكيميائية والفيزيائية والاجتماعية . 
تراب مكة المكرمة لا ترويه مياه السيول والأمطار ، ولكن ترويه مياه عيون الطائفيين والعاكفين والركع السجود ، ترويه مياه عيون المظلومين والمقهورين والفقراء والضعفاء والمحتاجين .
تراب مكة المكرمة عائم على سطح ارض مليئة مكتظة ومنتفخة بالخير البركة والسعادة . 
تراب مكة المكرمة .. [ صمت صابر ].. أمام جبروت الجبابرين ، هذا التراب الطاهر عرف أن كل الجبابرة الذين مروا عليه أنتهوا و بقي هو على قيد الوجود . فهذا التراب لن ينسى القائد الإفريقي أبرهة ، ولن ينسى الحجاج بن يوسف الثقفي وغيرهما ، الذين اجتمعوا ليدبروا مؤامرات تاريخية لتشويه مكة المكرمة وتاريخها العظيم . 
تراب مكة المعظمة لن و لن ينسى أقدام اشرف خلق الله وهي تسير عليه وتزيده بركة وطاهرة ، أنها أقدام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي ولدت ونمت وترعرعت فوق هذا التراب الطاهر . 
هذا التراب المكي وعبر كل مراحل التاريخ ضرب قصة يضرب بها المثل في ذكاء الإنسان المكي الفصيح ، وقدرته على التعامل مع الأمر الواقع ، ومواجهة الصعاب التي تعترضه . هذا التراب يرحب بالحاج والمعتمر والزائر ، وأن اختلفت صورته ولغته من إقليم إلى إقليم ، ولكنهم يتفقون ويلتقون على هذا التراب ليودوا مناسك الحج والعمرة .
هذا التراب المكي تؤثر فيه البيئة المكية المحيطة على مستوى الذكاء وطبيعته . وهناك شبه إجماع تاريخي على أن ذكاء المكيين فطري . وتؤثر فيهم المبادئ والقيم والمثل والأخلاق والأفكار الإسلامية . 
والتراب المكي عمل في ذات المكي فدفعه لاستخدام مهاراته في الذكاء لخدمة ضيوف الرحمن . بل أن الكثير من أعمال المطوفين ساهمت في تنمية التفكير الحر والإبداع في ضيوف الرحمن وخاصة من الدروس والحلقات العلمية التي تعقد بالمسجد الحرام . 
هذا التراب المكي هو الذي دفع الإنسان المكي للتعلم والمعرفة من كل شئ . فلذلك قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : (( دهماء مكة علماء )).،.
هذا التراب علم الإنسان المكي مواجهة كل أنواع الأزمات بصبر وجلد ، ودفعة لفهم الأصول والواجبات في التعامل مع ضيوف الرحمن . 
هذا التراب .. يحمل معه وفوقه كل متغيرات المراحل التاريخية ، والتي تؤثر في تراكم الخبرات وترفع معدلات معرفته وقوته لذلك قال الإمام الطبري عن أهل مكة المكرمة ..(( الضعفاء الأقوياء )).. أي أن هذا المكي يتمتع بذكاء متحرك جاءته من الصحراء والبحر والسفر. ففهم طبائع وعادات وتقاليد كل من قدم لمكة من حاج ومعتمر وزائر . 
أن التراب المكي شريك حقيقي في صناعة الكثير من الحضارات القريبة والبعيدة بحكم التجارة الدولية التي تصدر من فوقه لتصل أوطان أخرى .
التراب المكي صنع .. [ منطق المناعة ].. فهو يناغي التاجر والصانع والمثقف وغيرهم، ويمنح الجميع احترامه وكل منهم له لغته في التعامل معه . ويبدى التراب المكي سخطه وغصبه من فعل حرام ، أو سلوك مرفوض .
وهذا التراب المكي قبل أن يعيش ويتعامل مع كل المذاهب الدينية ، فلم يرفض ، ولم يقاوم ، ولم يتمملل ، ولم ينفعل واستعرض المكي كل صور ذكائه لحسن التعامل مع الآخر . 
هذا التراب يتفاعل مع الأصوات بعقلانية ، بل أنه يسعى لتغييرها إذا خرجت عن المسار الإسلامي ، فهو قادر على التفاعل مع كل ما هو جديد دون رفض أو مقاومة أو تعالى وكبر . 
بل أن تميز وتفرد التراب المكي انه الأذكى والأكثر تأثيراً في الوافدين إليه من كل بقاع الأرض فيصبغهم بصبغته ولهجته المكية الراقية ، ويفرض أسلوب حياته عليهم فيحسنون التعامل معه . 
التراب المكي يحترم ويقدر كل من يفد إليه من الشعوب والأمم ، ويقبل الجميع دون تميز أو تعنصر أو تعالي . 

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: