●ثقافـــة المحاســـبة ●

  بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

تسير هذه الأيام بانتشار واسع ومؤثر استخدامات سيئة لكلمة ..[ ثقافة ]..،. فكل من هب ودب فعل وصخر هذه الكلمة لمصلحته وتحقيق أهدافه المختلفة السياسية والاجتماعية والإدارية والفنية والثقافية والفكرية وغيرها . 
بيد أننا لم نتجه لتفعيل هذه الكلمة المهمة والحساسة لخدمة مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ومثلنا وأهدافنا ، فلماذا لم أجد من يكتب عن ..(([ ثقافة المحاسبة ])).. وبكل تفرعاتها وفتونها وأصولها . فانا وعبر هذا المقال اطرح قضية هذه .. [ الثقافة المحاسبية ].. فأقول وأدعو الى : 
1/: محاسبة المسؤولين عن الكذب . 
2/: محاسبة المسؤولين عن عملهم . 
3/: محاسبة المسؤولين عن انجازهم . 
4/: محاسبة المسؤولين عن تصريحاته الإعلامية وبكل مكوناتها . 
5/: محاسبة المسؤولين عن علاقاته الوظيفية . 
6/: محاسبة المسؤولين عن أمواله وثروته ، من اين كونت ؟.
7/: محاسبة المسؤولين عن استغلاله للمنصب . 
8/: محاسبة المعلم عن انجازه . 
9/: محاسبة الطالب عن قصوره . 
10/: محاسبة الموظف عن عمله . 
11/: محاسبة المثقف عن ثقافته . 
12/: محاسبة الكاتب عن كتاباته . 
13/: محاسبة الام عن تقصيرها في واجب الامومة .
14/: محاسبة الصديق عن تقصيره في واجب الصداقة . 
15/: القوى عن إفرازات قوته . 
16/: محاسبة الضعيف عن أسباب ضعفه . 
17/: محاسبة الشارع . 
عن طريق وضع سياسة ثقافة المحاسبة داخل الاطار الديني ، وفي مستوى الدين ، نضمن توفر مستوى كبير من الشفافية في المجتمع العربي . ويكفي في مثل هذا المقال ان نعرض هذه الصيغة لقياس المسافة المقطوعة بين الاصلاح والفساد في المجتمع . 
نجد أنفسنا في هذه المرحلة لو استطعنا تطبيق قواعد ثقافة المحاسبة ، لوجدنا ان المجتمع سوف يتم بالتغيير السريع في كثير من أخلاقه . 
إن ما صنع قوة ونجاح المجتمع الاسلامي بالأمس البعيد هو ما جعله يطبق ثقافة المحاسبة . فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لنا : حاسبوا أنفسكم قبل تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل ان توزن عليكم . 
هذه المقولة هي التي تشكل قواعد منهج .. [ ثقافة المحاسبة ].. يجب أن نبحث في مكان أخر من مجتمعنا وشخصيتنا لنعرف اسباب خوفنا من تطبيق منهج ثقافة المحاسبة . 
إننا الان في حاجة ملحة لنخرج من مرحلة وحالة .. [ اننا من الملائكة ].. و.. أننا 
.. [ المجتمع الفاضل ]..،. لا بد ان تستقل شخصيتنا التي هي تعشق التبعية . 
ولكي نفعل ونطبق ثقافة المحاسبة هو ضرورة وجود تحول ضمني في محتوى العقيدة التي ندعي اننا نتعامل بمبادئها . فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال لنا : (( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )). هذا تشريع راقي في ثقافة المحاسبة . 
فإزالة الحواجز السياسية والاجتماعية والوجاهية والغاء المحسوبيات ، والاتساع في نطاق تحقيق المساواه ، وتطبيق العدالة ، والاعتراف بالأخطاء ، والاقرار بالتجاوزات ، كل ذلك وغيره يؤدي الى تاكيد الاخذ بخيارات ثقافة المحاسبة . 
إن ثقافة المحاسبة جسدها الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سمع لابن القبطي المصري ان يضرب ابن عمر وبن العاص والي مصر . اليكم هذه القصة الرائعة التي تدل على ثقافة المحاسبة ، والتي تدل على انه لا فرق في الاسلام بين صغير او كبير وأمير او غفير وفقير او غني وقعت هذه القصة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والامير الغساني جبلية بن الايهم ، ذكر هذه القصة المثقف الايراني الشهير الدكتور علي شريعتي قال : (( ان أمير الغساسنة قدم المدينة ليسلم ، وبينما كان خارجاً من المسجد او من مكان آخر ، بنفس عنجهيته وابهته وكأنه كان يظن انه في غسان ، اذا بمسلم من عامة الناس لم يكن يهتم بكل هذه الشكليات يطأ بقدمه طرف قباء السيد ، فيستدير الامير ويلطم المسلم ، ويشكو الرجل لعمر ، في نفس الوقت الذي كان عمر وأصحابه في حالة من السرور لأن امير الغساسنة ، أكثر العرب حضارة جاء بقدميه الى المدينة مستسلما ، كانت المدينة من الاوس والخزرج المعدمين ، فالأمر ــ على الاقل فيما يبدو ــ نصر عظيم ، ويجيب عمر على شكوى الرجل : (( تعال غداً الى المسجد ، وسوف ، اطلبه ، واصفح عنه أن استطعت ، والصفح خير )). ويرد الرجل (( لن أصفح عنه )) ويقول عمر 
(( خذ منه الفدية إذن ويقول الرجل لا أخذ منه فدية ، ولو أعطى كل سلطانه ، ينبغي أن ألطمه ، لا شيء آخر )). لم يكن إذن في الأمر نصح أو لنحقق في الأمر أولاً ، او الموضوع قيد البحث والدراسة وما إلى ذلك . هذا هو القانون ، وهذه هي الحضارة . ويستدعي عمر الامير الغساني ويقول له : لقد لطمت هذا الرجل ، ولن يصفح عنك ، ويسأل الأمير الغساني : أي رجل هذا الذي لطمته ؟. لقد نسى (( السيد )) الموضوع برمته ، لقد كان يضرب العنق ثم ينسى لساعته ، والآن وقد لطم (( شحاذ )) تتطور الأمور الى هذا الحد وتكتسب كل هذه الأهمية ، وتصل الى هذا الحد . . . ويحدث نفسه : أي مكان هذا ؟. أي مكان هذا الذي يستدعي فيه السيد ويقال له : أحضر أمام المسجد ، لا إلى حارة متفرعة من حارة حتى يتجمع الناس ، ليلطمك مسلم كما لطمته . ويرى الملك الغساني أن الأمر جد لا هزل فيه ولا مهرب منه ، وأنه لا يستطيع أن يتهرب منه ، ويسأل : هل من مهلة ؟. والمهلة في الإسلام ، ثم يقول : الى الغد ، ويهرب بليل وبمضي الى الروم ، الى حيث تحفظ مقامات الناس وحيثياتهم ، إنهم هنا لا يقيمون وزناً لشيء ، وهذا في حد ذاته هو الحضارة ، هو عامل قوة في حضارة جديدة يدل على خلق إنسان جديد لا يعرفه هو )) . انتهت هذه القصة . 
وثقافة المحاسبة العلنية والتي تقع امام محفل من الناس يجسدها منهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لسيدنا ابو ذر الغفاري رضي الله عنه ، حين قال لسيدنا عبدالله مسعود رضي الله عنه مازحاً ( يا أبن السوداء ) فقال له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لابي ذر الغفاري وذلك في المسجد النبوي وامام الناس : (( يا أبا ذر إنك أمرو فيك جاهلية )) 
هذه هي ثقافة المحاسبة العلنية والفورية والمعلنة فلماذا تعطلت ثقافة المحاسبة في فكر امتنا العربية ؟. 
وفي المقابل قام الغرب وفي كل دوله ودوائره ومؤسساته بتفعيل وتنشيط .. [ ثقافة المحاسبة ].. وجعلوها تبدأ من راس المثلث وصول بقاعدته . واستدل كم بامثلة تؤكد صحة 
ما اذهب اليه ومنها . 
محاسبة الرئيس الأمريكي الأسبق ( نيكسون ) وإجباره على الاستقالة بعد فضيحة 
( وترجيت ). ومحاسبة الرئيسي الأمريكي السابق ( بيل كلنتون ) لعلاقته مع الشابه 
( مونيكا ) واعترافه العلني بالخطأ وقال صراحة : (( لقد أقمت معها علاقة غير لائقة )). ثم محاسبة الحزب الحاكم التايلندي وإجبار رئيسه على الاستقالة وحله من العملية السياسية لتزيفه في الانتخابات العامة. وكذلك المحاسبة العالمية لفضيحة الرشاوي التي قدمت من أجل شراء طائرات ( لوكهيد ) اليابانية والتي أطاحت برؤساء حكومات ووزراء ، وغيرها من قضايا . 
وسؤالي لماذا ابعدث منطقتنا عن ممارسة هذه الثقافة المهمة ؟.
اعتقد لو أنها فعلت لا طاحت بالكثير والكثير !.

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: