أديب وكاتب سعودي
شكا بعض أهل مصر واليا إلى الخليفة المأمون ، فكذبهم ، وقال لهم إنني متأكد من عدالته فيكم وإحسانه إليكم !.
فقال أحدهم : ومن قال غير ذلك يا أمير المؤمنين ، قد عدل فينا وإليك خمس سنوات ، فلماذا لا تجعله في بلد آخر حتى ينشر العدل في رعيتك ؟!. فضحك المأمون ونقل الوالي !.
الظلم ، والقهر والجور هي أهم العوامل التي تجعل الرعية تثور وتنفجر ضد الحاكم .
هذا بعض ما ورد في كتب تراثنا الإسلامي عن علاقة الحاكم بالمحكوم ، وأوردت هذه القصة في عهد الخليفة العباسي المأمون . ولكن وقعت قبله مئات من قصص وحكايا عزل ومحاسبة الوالي ، ولعل أفضل وأرقى قصة من قصص محاسبة الوالي والأمير هي القصة التي وقعت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه حين حاسب وعاقب والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه حين اعتدى أبنه على مواطن مصري قبطي .
علينا أن نتأمل فقط ما يدور في المجتمع ، المشاهد التي تراها كل يوم ، وتسمعها تكاد تتكرر بنفس الطريقة والأسلوب ، ونفس التفاصيل ونفس الملامح ، وتدور كلها حول ..(( ظلم الأمير والوزير )).. للرعية وهضم حقوقها وقهرها في كثير من الحالات .
هذا كله ستجد أن سببه معنى واحداً هو .. [ غياب المحاسب ].. للأمير والوزير . وأعنى عدم وجود قانون أو نظام يحاسب الأمير والوزير .
صحيح أنه موجود قانون في بعض الدول مثل الكويت ولبنان ، يحاسب وبشدة وعلنية الأمير والوزير . وتتم المحاسبة علنية ودون خوف او نفاق او تردد .
ولكن في بعض الدول يغيب ويبعد ويخفى القانون ، وتغيب معه كل أخلاق العدالة والمساواة وإحقاق الحق . فيبرر الظلم والجور والقهر والتعدي على الحريات والمال العام. فكل أمير أو وزير يريد أن يفعل شيئا يفعله ، وهو مطمئن تماماً أن أحداً لن ينال منه أو يحاسبه أو يعاقبه أو يعترض على ما يفعله . بل أن بعضهم يفتخر ويفاخر بما يفعله من ظلم وجور .
فالبعض يسرق المال العام ، والبعض الثاني يسرق ويعتدي على الأراضي ، والثالث يأخذ حق المواطنين ويسرقها علانية ، والرابع يظلم الموظفين من الرعية ويقهرهم وينقلهم من مكان لآخر دون أبداء أية مبررات قانونية .
وكأننا نسير في شوارع مسفلتة داخل غابات كثيفة لا نعرف اتجاهاتها ولا نهايتها .
ويرفع المواطن المظلوم صوته لولى أمر المسلمين بالشكوى والتضجر والظلم ، ويقول له : هذا هو صوتي أرفعه عالياً بقدر ما في من .. [ قوة الظلم ].. التي قهرتني وكسرت ظهري . أرفع مظلمتي إليكم عبر .. [ راحة الضمير ].. ولو كنت أملك وسيلة أقوى منه لفعلت . يا مولاي .. ويا فخامة .. ويا سيادة ويا معالي .!. ليتني كنت أستطيع أن أصرخ وأنفجر كالبركان لفعلت ، حي أعبر ما في داخلي . ولكن وللأسف أن الحاكم أو والي أمر المسلمين يغط في نومه غارق في أحلامه الضالة . وتحيل البطانة الفاسدة أو
.. [ الطبقة العازلة ].. خطاب مظلمة ذلك المواطن المظلوم إلى خصمه الأمير أو الوزير أو المسؤول. وينطبق عليه المثل الشعبي القائل : (( وكأنك ما غزيت يا أبو زيد )).
لماذا لا يوجد اليوم حكام مثل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتنطبق عليه مقولة مندوب كسري : (( حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر !))؟.
لماذا انهارت قيم وأخلاق الحاكم العربي ؟.
وربما كان عسيراً أن أتخيل توقع عودة تلك القيم والأخلاق .
ولئن كان هذا .. [ المأزق السلطوي ].. ذا طبيعة في ذات وشخصية الحاكم ، فإن الحاكم العربي ، والمسلم عامه يواجه واقعاً معقداً بسبب قفل .. [ الطبقة العازلة ].. عليه كل منافذ الالتقاء مع الرعية .
ولأن الحاكم العربي أصبح و أمسى يعشق ويحب .. [ ذهنية التمجيد والتفخيم والمديح ].. التي تستوي في ذاته ، وخاصة عندما تكون تمجيداً له ولا عماله التي لم يسبقه إليه أحد من قبل ــ كما تزعم ــ فرقة حسب الله . فلهذا يرفض الحاكم وبطانته الفاسدة أي .. [ جهد من النقد ]..،. ويعتبره نوعاً من أنواع .. [ شحنات التجاوز على
هيبته ]..،. والتطاول عليه وعلى ذاته الرفيعة .
واليوم يغفل ( الأمير والوزير ) أن تغير الأمور يسير مع تغير الدوافع إليها في أروقة ودهاليز السلطة . و أن ..(( المواطن )).. هو أهم الأطراف الفاعلة جميعاً وتحديد في العلاقة بين الأمير والمحكوم .
ويحدث دائما أن تكون السلطة الكاملة والشاملة في يد الأمير والوزير ، وهذا تفكير ذا .. [ طابع فوضوي ].. في الفكر السياسي الحديث الكفيل بتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم يفتح إمكانات تفكير جديدة بينهما ولعل أهمها أن يعرف الأمير والوزير أن للمواطن حقوق يجب أن يمارسها ويأخذها . أقلها هو شكوى التظلم منهما ومن قراراتهما وقهرهما للرعية . والتجاوز على حرية وكرامة الشعب .
ولئن كان من حق البعض أن يلاحظ اليوم بالذات أن كل من هب ودب أصبح يزعم أنه المختص الوحيد والفاهم في شؤون الرعية . فإنه من الجدير أيضا الإعلان صراحة أنه لم يعد ممكناً أن نترك الشأن الكامل للأمير والوزير للتفرد بالأمر . بل نتمنى إقرار قوانين صارمة وشديدة وصريحة تحاسب وتراقب وتعاقب الأمير والوزير . ولعل تجربة الكويت جيدة وراقية وحضارية ومفيدة في هذا المجال حتى يفهم ويستوعب الأمير والوزير أن النقد الوطني لكل المستويات والشؤون هو عملية بناء وليس عملية هدم كما يتصور الأمير والوزير . وما تسير به وعليه الكويت في هذا المجال هو منهج إسلامي صحيح وقويم . خاصة أن المرحلة الحالية مهيأة أن تشهد الكثير من الزبد الذي لن ينفع الناس والمدينة .
لأننا لا بد أن لا نغفل أنه لا يمكن لنا أن نعتبر قرارات الأمير والوزير مقياساً لأهمية الأفكار ، إذا تجاوزت حدود وحقوق المواطن . لأنه لا بد أن تدرس التقاطعات بينهما . ولأن هذه التقاطعات تدفع إلى أفكار ورؤى تحليلية محايدة ودقيقة . فان فهم الأمير والوزير مثل هذه المفاهيم السياسية في التعامل بين الحاكم والمحكوم فإنها سوف تعمل على إضعاف ووهن نزوات العنف في القرار . الذي يلحق الضرر بالمواطن .
لا بد من قبول الشكوى ضد الأمير والوزير لتحقيق التوازن ومقتضياته التي حققها الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وفي قصيدة رائعة للشاعر الكبير صلاح عبدالصبور يقول فيها : (( في بلد لا يحكم فيه القانون .. يساق فيه الناس إلى السجن بمحض الصدفة لا يوجد مستقبل)) .
والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .
للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق