أديب وكاتب سعودي
ويلفت النظر في كلام اليماني انه لا يحوى أي قدر من المبالغة . كما انه لا يشفر علينا كلامه . وهو يدرك أن المبالغة صارت حملاً ثقيلاً على المجتمع . وسجله مخلوط بكثير من الثقافات .
وإذا كان الله قد يسر لأهل مكة المكرمة أنساناً موفقاً لفعل الخير وقضاء حوائج الناس ، فاليماني هو ذاك الإنسان الموفق والرطب في اللسان والخلق. فهو أكثر الوزراء المكيين الذين خدموا ابناء وأهل مكة المكرمة بعد سيدي معالي الشيخ حسين عرب ــ رحمه الله ــ بل إن مواقفه تتصاعد إزاء الأعمال الخيرية الكبيرة . وفي هذا الجانب فان اليماني لا يحب الخروج على الأخلاق في قضاء حوائج الناس . بل أنه يعمل وفق الثوابت الإسلامية والاجتماعية المكية . فمثلا لا يحب ان تراجع النساء مكاتب الرجال والوقوف بينهم ومعهم. حتى لا تذل كرامتهن .
لا ابالغ حين اصف الدكتور اليماني ، بانه احد حراس السيرة النبوية في بلادنا ، فهو عالم متمكن ومتفرداً ومتميزاً ونابغاً في هذه العلوم . ومفردات خطابه الثقافي والديني ومعانيها راقية ومتميزة في هذا الفن الكتابي . بل أن خصومه الذين عارضوه وأقاموا عليه الدنيا ، واضطروه إلى طباعة وتوزيع ونشر ذلك المنتج الفكري خارج الوطن ، لم يستطعوا منعه او إيقافه في هذا الجانب . ولهذا لا يعتبر محمد عبده نفسه .. [ ضحية ].. او .. [ فريسة ]..،. أنما اعتبر خصومه هم الضحايا . لقد كان البعض الكثير يصاب بالصدمة والدهشة مما ينشره ويكتبه المثقف الديني والسلطوي محمد عبده يماني ، وهو الوزير الحافظ لدروس الوطن والوطنية ، الا انه كان يسير في طريقه في كتابة هذه الكتب عن السيرة النبوية . ولم يتوقف حتى اليوم .
ولكن أود أن أقول أيحق لنا كمسلمين وكسعوديين ان نتساءل هل كان الافضل ان تطبع وتنشر كتب اليماني في داخل الوطن او في خارجه ؟!. بدلا ان تكون محجوية عن الرآى العام ، أم أن نشرها وكشفها وتقديمها للقراءة والمثقفين ورجال الدين قد يساعد الجميع على قول رأيهم في تلك الكتب . ولكن وتحت وطأة وظروف الضرورة أتجه اليماني بانتاجه الديني والفكري لخارج الوطن وهذا مأزق يقع فيه وزير اعلام كان يصوغ القرار في هذا الجانب. ويومها تأكدنا ان مهمة اليماني صعبة ، وصعبة للغاية ، وأثرنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه حين اتجهنا بإصرار غريب على شراء وتداول كل مؤلفاته الرائعة .
لم يكن المثقف محمد عبده يماني ، وزير الاعلام .. [ عسكرياً ].. كغيره من وزراء الإعلام ، بل كان حازماً ، لطيفاً ، واستطاع ان ..(([ يصر الثوب ])).. كما يقول المثل المكي ، في بعض الأحايين لحكمة لا أعرفها. ووجدت ان انسحابه يكون أحياناً حازماً ولطيفاً ، وايضا ان انسحابه يكون أحياناً حكمة ، وليس تهرب من مسؤولية كوزير اعلام ، اقول هذا عبر تجاريب شخصية . تميز اليماني وزير الإعلام انه كان يوفر لك كمثقف وكاتب الظروف المناسبة لتحقيق ما تريد . ويبعدنا من أي مكان يعيق طموحنا عن اداء دور المثقف والأديب والكاتب . واذكر انه عندما تقدمت بطلب إجازة كتابي / الأمراض الاجتماعية ، ورفضت وزارة الاعلام إجازته او منحه جواز سفر دخول لوطنه قال لي عبارة لن أنساه : (( حتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً ، وتتحسن أحوالك ( . . . . ) ،. او حتى يموت الحمار أو يموت جحا )). واليوم أقوله له : لقد مات الحمار ، ولم يمت حجا ، ولم يجاز الكتاب .. ويا امان الخائفين !. اعترف اليوم بأنني لم أكن أدرك معنى مسؤولية الكلمة في تلك المرحلة المشحونة والممتلئة في داخلي ، بالطموح والحماس والاندفاع ، و لأنني كنت حينذاك شاب متحمس وليس طائشا كما قال لي أحد المسؤولين بوزارة الإعلام في عهد اليماني ، حين قلت له : أنكم قادرون على تكميم الأفواه وتكسير الأقلام .
ودائماً يقول لي : مشكلتك .. [ يا رضي ].. هكذا يحب ان يسميني الدكتور اليماني أنك تملك إمكانات وقدرات وأدوات اقتحام مناطق القضايا المحرمة او الممنوعة أو الملغومة دون أن تخشى العواقب . ويعجبني فيك أنك مستعداً دائماً لتقديم الكثير من التضحيات ، وليس كغيرك الذي يهرب من الاقتراب من تلك المواقع ، والتي لها ثقافتها الخصوصية . يقول لي ذلك لأنه .. [ أب مخلص ].. وصادق معي في مشاعره وأحاسيسه .
واليماني كمثقف ومفكر ووزير يملك أتساع في الرؤية ويملك رحابة متنية في النقد وتقبله . وازعم أن وزير الإعلام الدكتور محمد عبده لم يكن وزير للنفي او الإثبات كما يتهم بذلك ، بقدر ما صاغ في وزارته مناهج جيدة للنقد وبمختلف إشكاله فيما عداً بعض.. [ الذات ]..،. العليا والتي يصعب الاقتراب منها . والتي اسميها المناطق التي يسكنها الشيطان . وعان اليماني كوزير من صراع حيث وجد أمامه ثقافتين كلها ترفض بعضها البعض الى حد بعيد ، وهما ثقافة السلطة واعني ثقافة المؤسسة الدينية، وثقافة المجتمع . ويعجبني في شخص فكر اليماني انه سعى الى نيل رضا كل الثقافتين ، وازعم انه فشل في التقريب بينهما ، بسبب ضغوط وظروف .. ( . . . . ) . تفوق قدرات الوزير اليماني .
أستطاع اليماني ان ينعم الله عليه بمكانه تليق به وبعمره وبثقافته وقيمته الاجتماعية . فهو يعمل طوال النهار ويتابع اعماله وقضايا الناس ، وقد يصاب بإغماء النوم في بعض المناسبات من شدة الارهاق ، ولكنه يجامل الجميع . لانه يستمد قوة شخصيتة من القيم والعادرات الاجتماعية والمكية الراقية . فهو ولد ، وترعرع ، ونشأ ودرس بمكة المكرمة ، فكل مكوناته الاساسية تبلورت وتكونت وتشكلت في مكة المكرمة فمن هنا أصبح محمد عبده يماني .. [ قامة وقيمة مكية راقية ]..،. واليماني وطني من طراز مميز ، واليماني انسان يتعرض للسهو والخطأ والاجتهاد ، فعلى الجميع ان لا ينسوا انه مثل بلادنا أحسن وافضل وارقى تمثيل في كل دور أو منصب او وظيفة تقلدها .
كان الويزر محمد عبده يسعى بجدية واهتمام كبيرين من تغير النظرة العربية والغربية للاعلام والثقافة السعودية ، لمعرفته ان تلك النظرة لم تكن واضحة ومتسخة باوساخ الحاقدين ، واننا قادرين على التطور السريع ، الذي يواكب متغيرات المرحلة . واعاق اليماني في تلك المرحلة سيطرة وقوة الفكر الديني على المؤسسة الاعلامية والثقافية ، ولكنه بدل جهود موفقة في هذا الأتجاه . وكان الفكر الديني هو الاكثر هيمنة . نعم اراد اليماني وزير الاعلام ان نتعامل مع الحضارة بقيمها الجديدة التي تحترم ثوابتنا . فعلا فعل اليماني .. [ فعله السلطوي ]..،. حين اراد ان يوضح عبر اعلامنا ان كراهية المسلمين والخوف منهم في الغرب غير مبررة ولا مقبولة .
واذكر ان له حديث ذكر فيه الكثير من الافكار الاعلامية واهم مافيه ان الدين الاسلامي لا يتعارض مع معطيات الاعلام الموضوعي ، بل العكس يرى انهما في حاجة بعضهما البعض . ولا الوم اليماني حين يصرح بذلك لقناعة الكثير من السلطويين والمسؤولين العرب الذين يعتقدون ان مفهوم الثقافة والاعلام لا تضم ..(([ العقيدة الاسلامية ]))..،.
فعل اليماني ذلك القول وهو من علمنا ان حرية التعبير علاقتها بالدولة قوية ومباشرة ولا يمكن المساس بها. وكانت هذه الافكار هي التي عقدت العلاقة بين المثقف والسلطة حينذاك. رغم قناعتي ان المثقف السعودي لا يحمل في دماغه افكار معادية للدولة او مضادة للدين والإنسانية . ولكنه يتفاعل مع المطلب الاصلاحي و المجتمعي ، ولكنه تصادم رغم أنفه بسبب فقدان التوازن بين المثقف والسلطة . ولكن هنا اريد ان ابين للتاريخ ان وزير الاعلام الدكتور محمد عبده يماني ، لم يتخلى عن دوره كمثقف ، ووقف مع الكثير من المثقفين والكتاب في ازماتهم المختلفة ، وانا احدهم ، بل انا أقف في اول صفوفهم فوقف هذا الرجل معي مواقف أقل ما توصف بانها ..(([ رجولية ]))..،.
ولم يكن اليماني في الوزارة يتعامل مع نظرة الكيل بمكيالين ، داخلياً وخارجياً . وحتى في الخارج فلقد طرحت عليه ذات مرة سؤال من اسئلة المرحلة وقلت له : هل تتفق معي يا دكتور انه لا يجب علينا ان نغير انفسنا ليرضى عنا الغرب ، وفي المقابل يجب ان لا نتوقف في تقدمنا الحضاري دون ان يعلمنا الغرب ذلك ؟. فقال لي : اتفق معك في هذه النظرة .
وهذا ما جعل اليماني يرفض ان يستباح اعلامنا السعودي ، ورفض استباحه الثقافة السعودية . رغم ان العواصف كانت تهب في حياتنا اليومية . وارسلت لنا رسائل واشارات كنا يومها نتجاهل خطورتها ، وهذا خطأ كبير كان في منهجنا الاعلامي صمت عنه اليماني . وهذا مما يؤخذ على اليماني في فترة عمله . لم اتفق ، ولن اتفق مع اليماني او اى وزير اعلام يرفض ان نتصدي للعواصف والحملات التي تنظم ضدنا . لان العواصف تأتي لتدمر ، وخاصة عندما تكون خارج اللحظة ، وكنا يومها لم نراجع انفسنا . لان الخوف سيطر علينا . خاصة ان الخوف فينا عادة ما يرتبط بسمات او خصائص نحملها في نفوسنا من طفولتنا .
وأرجو من معالي الدكتور محمد عبده يماني ان لا يغضب مني حين اقول بصراحة وجرأة ان الثقافة السعودية في عهده كانت ..(([ متوحشة ])).. ديننا ، لسيطرة الفكر الديني على الاعلام . والدليل بروز الكثير من ..[ المناحرات الدينية ].. و .. [ الصراعات الفكرية ].. بين المثقفين والكتاب والادباء وبعض العلماء والفقهاء ورجال الدين . وصارت بعض صفحات صحفنا كانه نوع من..((الفحم المكلسن )).. وبسبب ذلك .. [ التوحش ].. في الصحافة والثقافة ظهرت بعض ..(([ الدكاكين السياسية والثقافية ])). بين المثقفين يقولون داخل تلك .. [ الدكاكين ].. ما لا يسمح بنشره وكتابته او النطق به في المجالس العامة .
وعادة يفقد الاعلام ..(( الوعي )).. اذا دخل ذلك الاعلام .. [ متاهات الهوى ]..، فقد يهوي المجتمع بسبب تلك المتاهات . وادرك بعض المثقفين والكتاب والادباء تلك المغالاة ، والتي سببت لنا كل هذه الهجمات والعواصف . تلك الهجمات والعواصف التي ارتدت عمائم العلم الشرعي فاساءت للدين ، وللوطن ، ولنفسها . والان ندفع .. [ إثم الصمت ].. الذي مارسناه ونحن نسمع ونشاهد ونقرأ ونعرف ، بيد أن البعض ..( صمت برغبة منه ).. والبعض الآخر .. ( صمت رغم أنفه ).. ،. وفعل البعض من المثقفين قليل من الفعل الاصلاحي متمسكين بمقولة(غاندي ) الشهيرة التي تقول : (( قد يغدو كل ما نفعله بلا أهمية .. ولكن من المهم فعله )).
بقي لي أن أقوله إنه إذا أردنا أن نكتب التاريخ الحقيقي لمعالي الدكتور محمد عبده يماني كوزير للإعلام ، فينبغي أن نفهم ونستوعب وندرك بعقلانية أننا نقف أمام مستودع ملئ بالمتفجرات ، فقد ينفجر أمامنا في أي لحظة ، ولكن لا بد أن نعرف كذلك أن .. [ فتيل ].. الانفجار في قبضة اليماني ذاته .
ويحمد لوزير الإعلام أن الإعلام السعودي انه في عهده حارب الخطر الأخلاقي ، وأصبح الإعلام كأنه أداة من أدوات شرطة الأخلاق التي تحرس قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا .
وهذا ما دفعني أن أقول أن الدكتور محمد عبده يماني هو قامة وقيمة مكية ووطنية تسير في دم شرياننا .
والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق