●الحاكم وثقافة التنمية 2/2 ●

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
أديب وكاتب سعودي


نكمل حديثنا عن الحاكم وثقافة التنمية فأقول :
وكيف تكون المدينة خالية من الجريمة .

1/: والجنح ترتكب أمام أجهزة الأمن الكثير منها . وإليك أمثلة بسيطة جداً وهي :
1/: مثلما نشاهد أن سارقي أجهزة الجولات يبيعون تلك الأجهزة المسروقة في محلات البيع المرخص لها . والأجهزة الأمنية واقفة تتفرج على تلك الممارسات !.
2/: وأيضا تسرق السيارات في وضح النهار وتباع القطع المسروقة منها وتباع بصورة علنية في محلات خاصة بذلك دون وضع أي نوع من الضوابط والقيود لمنع تلك المحلات من بيع مسروقات المواطن .
3/: أن سرقة حقائب وشنط النساء أصبحت ظاهرة مشهورة في الأسواق العامة . وارتفعت الأصوات تشكو منها .
4/: بعض الأجانب أو الوافدين : ما يزالون يعبثون بالمدن وسرقتها .
5/: غياب سيارات الأجهزة الأمنية عن المشهد العام . وهذا الغياب قوى ضعف المجرمين واستغلوه لصالحهم .


◙◙◙


وكيف تكون المدينة خالية من التدخين ، وبعض المسؤولين يدخنون في مكاتب الدولة الرسمية ؟. ولا يطبقون ، ولا يحترمون الأنظمة التي لا تجيز ذلك والصادرة من الجهات العليا !. وكما نشاهد بعض رجال الأمن يدخنون وهم في السيارات الرسمية.


◙◙◙


بل أن الحكومة ترفض أن تسجل تلك الشعارات سلبياتها بسبب .. [ الفساد ].. و.. [ سوء سمعة الأجهزة الحكومية ].. في ذات المواطن وأيضا .. [ سوء معاملة الأجهزة الحكومية للمواطن ]..،.
وأزعم أن .. [ الثقة ].. مفقودة بينهما ، والثقة أشبه بالروح التي تجعل من الإنسان يعمل دون كلل ولا ملل . وكما قال ( فينس لومباردي ): (( الثقة معدية وكذلك عدم الثقة )).
وسؤالي المشروع هو : أين مظاهر الثقة في كل ذلك ؟.
ولا يشك أحد في أن المواطن كثير الحاجات والرغبات ، بل أن بعضها مبالغا فيها . فالرقي والتطور والأمن حاجات ومتطلبات عصرية ضرورية لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنها .


◙◙◙


وخير دليل على صحة ما أقول هو ..(([ القصف الكلامي )).. الذي يمارسه المواطن ضد الأجهزة الحكومية والمسؤولين بها في كثير من المجالس العامة والخاصة ، وربما نجده في بعض المكتوب من المقالات الصحافية . فالحكومة تحتكر كل شئ . وليس من حق المواطن أن يعترض أو يناقش أو يسأل . مثل ما يقع لأصحاب العقارات في المدينة . فلم تقبل اعتراضاتهم ، ولم تسمع شكاوهم نحو تدني مستوى التعويضات ، وعدم صرف التعويضات بسرعة والتعقيد في ذلك وغيرها من أوجاع ومنغصات صادفت الملاك . يضاف لذلك أن ..(([ قسوة الكذب والتضليل ])).. غير محسوسة في ذات المسؤول . فلهذا أصبح بعض المسؤولين يستلذد من ممارسة الكذب على الشعب . وهي أيضا غير مفهومة في ..( وعي المواطن ).. وبسبب أبعاد تلك القسوة في الكذب ، كانت .. الثقة.. شبة معدومة عند كثير من المواطنين . لابد ولكي ننجح في تحقيق طموحاتنا وآمالنا أن نبني جسور من الثقة .
وحينما ترقص عبارة .. ( حسن الظن ).. في المسؤولية يتخيل كثير من المواطنين على أنها .. ( رقصة الموت ).. للحقيقة فتتأخر الثقة في الظهور عن موعد وصولها . والغريب أن معظم المسؤولين لدينا لا يعملون على إرسال رسائل .. ثقة .. تحمل فكرة التقارب في التوقيت المناسب . وأصبح من الصعب على أي مسؤول كان مستواه الوظيفي أن يعمل على قياس الرأى العام في مجتمع ما لا يشعر بالثقة ، ولا يتمتع المواطن فيه على قدر كاف أو كبير من .. [ حرية التعبير عن الرأى ]..،. ولقد أظهرت لي الممارسة الفعلية وعبر خبرتي أن نسبة غير قليلة من المواطنين وخاصة المثقفين والكتاب يكذبون وينافقون القول والفعل أمام المسؤولين بمختلف طبقاتهم الوظيفة . لهذا فان ذلك .. [ الكذب والنفاق ].. يسهم في تقليل وتضليل استطلاعات الرأي العام والتي قد يفعلها القليل والقليل من المسؤولين . إني لا أستطيع قبول أو تقدير وجاهة رأي المتخوفين من قول الحق . حساباً للمنافع والغايات . فحساباتهم في تلك المواقف تعتمد على حسابات الربح والخسارة . هل يجوز للمسؤولين تجاهل تلك الحقيقة الصارخة ؟.
وأزعم وأنا متشائم جداً أنه لا انفراجة تدريجية في تحسن العلاقة بين المسؤول والمواطن ، تسمح بهامش من الحرية التي تكون الحقيقة أمام المسؤول . فيتخذ القرار السليم والواعي والمبنى علي المعلومة .
هناك سؤال معلق يملأ أفاق المدينة منذ عشرات السنين . وهناك أكثر من محاولة جادة من مثقفين ومصلحين لكشف سر ، لماذا لا يخطط للمدن لمائة عام ، وعبر خطة مئوية . حتى لا يأتي كل مسؤول لها ويهدم ويكسر ما بني قبله من إنجازات وخطط .
لماذا لا يحمل كل مسؤول .. ( الشعلة الاولمبية ).. ليكمل مسيرة البناء لمن سبقه من المسؤولين ؟.
لقد طاشت سهاما كثيرة وكبيرة من الأموال الضخمة في الفضاء لم تصب أهدافها ولم تحقق لنا مطالبنا وطموحاتنا وآمالنا في المدينة !.
فلماذا مثلا لماذا لم يهدم ويكسر ويدمر شارع .. (( الشنزليه ).. بباريس الفرنسية ، فعمر هذا الشارع أكثر من خمسين عاماً ، بقي كما هو منذ بنائه ، بل طور وحسن . وهذا أيضا حال شارع ( أجور رود ) بلندن ، فلم يكسر ، ولم يدمر ، بل طور وحسن . وأيضا هذا حال الشارع الذي يقع فيه مبنى هيئة الأمم المتحدة بولاية ( نيويورك ) بمدينة (منهاتن ) الأمريكية . فلماذا لا نتعلم من مثل هذه التجاريب العالمية ؟. ولماذا نحن نعتقد أننا لا نتطور ، ولا نتقدم إلا إذا هدمنا ماضينا ، وكسرنا أثارنا ؟. أن تقدم وتطور وتنمية المدن لا يكون على حساب الماضي والآثار !.
صميم المشكل ، أننا دائما أمام سؤال لا جواب عليه هو:

كيف يمكن بناء خطة مئوية للمدينة يعترف بها الجميع ، وتنفذ ويعمل بها دون الإخلال بعناصرها الأساسية؟!.لا نريد انحيازا في الخطة ضد المدينة!.قد يرافقه جفاء وخصام وتعنصر؟.
فالقاعدة البديهية والمنطقية والعقلانية تؤكد أن سياسة تخطيط وتطوير وتنمية المدينة ترتبط وتسير وراء مصالح الشعب قبل كل شئ . وتمضى تلك السياسة بإصرار على طريق التفاهم والتقارب والتعاون مع .. [ أهل المدينة ]..،.
بمعنى أن مصالح المدينة الكبرى والحيوية في هذه المرحلة تحتاج إلى.. التفكير مرتين .. قبل اتخاذ أي قرار مصيري يرتبط بمستقبلها وأهلها . نفعل التفكير مرتين وبكل انتباه لمصالح الجميع دون إهمال مصلحة أي طرف يرتبط بمعادلة التطوير والتنمية . أي نعمل ونفكر بتوازن يحقق مصلحة المواطن أولاً .
لمعرفتي أن ..( هوى السياسة ).. منجذب دائما إلى ناحية المصالح الضيقة ، مع إغفال شديد لحقوق ..( المواطن ).. وهذا المأزق وقع فيه بعض المسؤولين الكبار . حين حرص على حفظ كرامة المصلحة الخاصة ، ولا يهمه .. كرامة ساكن المدينة ..،. فعندما يفعل المسؤول مثل هذا الهوى فإن التوازن يغيب عن القرار والعمل والتصرف ، فتفقد المصداقية والمنطق والعقل فيها ـ وهذا أمر يثير الحساسية في ذات أهل المدينة .
إن الانحياز الجارف نحو المصلحة الخاصة ، يتسبب في خلق إساءات بالغة إلى العلاقة بين المسؤول وأهل المدينة . ومع ذلك فان القرار في ارتباكه ، وبالتحديد عندما يهمل ما يهم أهل المدينة يلوم نفسه مع مرور حركة التاريخ والانجاز معاً.

وقد تظهر بعض أفراد البطانة العاملة مع وحول الأمير النفاق والرياء في مسؤولية المبالغة لتلك القرارات . فلقد قرأت عدة تصريحات صحافية لمسؤولين . فيها .. [ تطاول ].. و.. [ تجاوز ].. على الشعب . وهذا الكلام يؤذيننا في كرامتنا .
وعليه فإنه بدلا من ..( النفاق ).. و..( الرياء ).. و.. ( الحيرة ).. و..( الارتباك ).. يكون الاجدي لتلك البطانة .. [ . . . ].. ترويض الذات لمخافة الله و مراقبته بصدق في النية ، وتهيئة أنفسهم نحو مستقبل لعصر يظهر أمامهم زماناً غير أفكارهم وأرائهم ، زمن سيكون له سلطانه ، وله أحكامه ، وله قوته . فأخشى ما أخشى على كل أولئك الذين يخططون وينظمون لمدينة أن يقفوا .. [ عرايا ].. أمام مرايا فيجدون أجسادهم عارية منتفخة بالعيوب والذنوب .
عندها فقط يطلبون الرضا وقبولهم بينا !؟.
وأشك أن يرضى عنهم أو أنهم يقبلون بيننا !؟.


◙◙◙


وقد يصر بعض أولئك المخططون والمنظمون والفاعلون بإصرار أملهم نحو هدم وتكسير وإزالة المدينة وتاريخها وحضارتها . على أن الوضع الحالي للمدينة هو تشوه هنا أو ترهلا هناك ، أو عيبا بارزاً ينبغي إزالته . وبالتحديد بعض الكبار الفاعلين في اتخاذ القرار وتكوينه ، أولئك .. [ الكبار والمخططين والمنظمين ].. لم يعملوا على لوم أنفسهم أمام الله ، ثم التاريخ ، ثم ضمائرهم ، ثم أمام أهلهم . وللأسف لم يظهر بينهم من رأوا أن مسؤولية تلك الإزالة والهدم والتدمير والتكسير تقع بكاملها على أعاتقهم ورقابهم وتاريخهم . وليس على أهل المدينة مسؤولية شئ منها .وما أجمل ما قاله راشد رستم : (( الأمة التي تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها ))..،.
فعل أولئك الكبار والمخططون والمنظمون أفعالهم تلك عبر .. [ علاج الجراحة ].. المستعجلة والمرتجلة والقلقة . مثلهم مثل طبيب عمليات تجميل النساء حين يعمل جراحة لأنوف وشفاها حتى تصبح أكثر اتساقاً ، أو أكثر امتلاء ، وعمل على رفع جفون ، وشفط بطونا ، واستخدام كل أنواع المساحيق الرديئة والعطور التجارية من أجل أن يقول انه أجرى عمليات جراحية ونجح فيها . وغفل ذلك الجراح أن تلك العمليات الجراحية التجميلية المستعجلة سوف تنكشف وتتعرى بسبب ضغط الزمن ، وتفسير الأحوال والشخوص والنفوس والرؤية .


فعل أولئك الكبار الفاعلين أعمالهم تلك بهدف خلق التأثير الإعلامي ، وان يأسروا التفكير المجتمعي نحو ما يقومون به من أجل مستقبل المدينة . لقد بالغ ..(([ الشطار الفاعلون ])).. المندفعين بحماس غير منتظم وهم يظنون أنهم فعلوا أفعال تاريخية ونسوا أنهم عملوا على تغيير أنساب الحارات والخالدة بتاريخها الإسلامي . فعلوا ذلك لكي يأتي من ينكر علينا تاريخنا ، وتتعرض أصول تاريخنا للاجتهاد والتزوير والتزيف والتشويه .
لقد هيأوا أسباب ليكون تاريخ المدينة مغاير لحقيقته وواقعه ومجده .
وكأنما أراد ـــ البعض ـــ إطلاق النار على مراحل من تاريخ المدينة العظيم . نعم أراد ـــ البعض ـــ تغير صورة المدينة الرائعة والمرسومة بكل أخلاق النبل والشهامة والمروءة والكرم والتحدي والتمرد والثورة . أنها أعمال أرادوا منها تشويش .. [ صورة الحسن ].. من تاريخنا العظيم . الغريب أنهم ظنوا أن ما صنعوه في المدينة وبأهلها الضعفاء الأقوياء ، سوف يعجب عيون البعض ويخطف قلوبهم ، ولكن الحقيقة غير تلك التي ظنوها .
أردنا .. [ التغيير ].. لكن حتماً ليس بهذه الطريقة المفجعة والفاجعة والمقلقة . نحن نؤمن بمقولة ( هيرا قليطس ): (( الشئ الوحيد الثابت هو التغيير المستمر )). وأدرك كغيري أن كل الأشياء في هذا الكون عرضه للتغيير ، وبالتالي نحن كبشر نتغير بتغيرها .
إن الكبار الفاعلين أضافوا عنصر المال إلى قوة ترس الآلة المدمرة وأعنى بها ( البلدوزرات ) ليصنعوا جمال مزيفاً . ونسوا بغفلة أو بعضها أن .. [ الاستثمار المادي ].. يزول بزوال الفاعل والمفعول به ، ولكن .. [ الاستثمار الإنساني ].. يخلد في قيم وأخلاق المدينة . لان المدينة وعبر كل تاريخها العظيم لم يرهن أمرها ، ولم تنقص أرصدتها الإنسانية والحضارية .
أقول ، وأقول ، وأقول ، واصرخ أمام التاريخ ، وأمام الكبار الفاعلين : دققوا ، ودققوا ، وتأكدوا ، وادرسوا ، وتابعوا ، ثم حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، من الله والتاريخ .

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .


للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk

ليست هناك تعليقات: