ثقافة الإحباط

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
أديب وكاتب سعودي


تظهر بعض الأصوات السلطوية المسؤولة بالدعوة لمقاومة ثقافة الإحباط . ولكن تلك الأصوات السلطوية لم تجرؤ ، ولم تملك الشجاعة الكاملة لشرح وتناول أسباب ومسببات
.. [ ثقافة الإحباط ].. ويغفلون ، بل أنهم يتغابون بقصد ، وسوء نية ، أن السلطة أو الدولة هي من رسخت في الشعب .. [ ثقافة الإحباط ]..، فاذكر أن ممارسات وطقوس وأعمال وأفعال
.. [ الإحباط ].. و.. [ الخوف ]..،. هي مغروسة ومتجذرة في ..(( سلوك الطفل )).. منذ نعومة أظفاره أي منذ المرحلة الابتدائية . حين يؤمر ويدرب الأطفال ومنذ السنة الأولى الابتدائية على .. [ القيام وقوفاً ].. لمجرد دخول المعلم الفصل الدراسي، ولا يجلسون إلا بأمره . ويطلقون وبصوت جماعي وموحد كلمة ..(( احترم ))..،. وكأن أولئك الأطفال يعيشون في ثكنة عسكرية ، وليس فصل دراسي !. ويحفظون الأطفال بيت من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي القائل :
قم للمعلم وفه التبجــــــــــــــيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
وأن ذلك الطفل لا يستطيع أن يتكلم أو يتحدث مع المعلم إلا بعد رفع أصابعه . وغفل أولئك المتحدثون عن ثقافة الإحباط ، أن معظم مفردات المناهج الدراسية تدعو إلى
..((الرضوخ)).. و..((الخوف)).. و..((الخضوع)).. و..((الخنوع)).. و..((الإذلال)).. و..((الامتهان))..، للسلطة . فلا تذكر لنا إلا الأحاديث النبوية التي تدعو لطاعة ولى الأمر طاعة عمياء ، مثل هذه الاحاديث الموضوعة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنها :
(( اسمعوا وأطيعوا ، وان استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة )).
(( من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه ، فليطعه ان استطاع ، فان جاء آخر ينازعه ، فاضربوا عنق الآخر )).
(( أيما رجل كره من أميره أمراً فليصبر، فانه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان شبراً )).
وتذكر وذكرت لنا القصائد الشعرية التي ترسخ مفاهيم الطاعة العمياء ، وكذلك لا تذكر لنا من قصص التاريخ الإسلامي إلا قصص الخلفاء والأمراء الذين اجبروا الرعية على الطاعة العمياء والخنوع للحاكم . وتذكر قصص عدم المناقشة وعدم المحاورة والمجادلة مع المعلم والمدير والمسؤول والكبير والأمير وحتى الغفير. والله ــ يومها ــ وأيضا منذ ذاك اليوم أصبحنا لا نؤمن بقابليات قدراتنا ، بل خافت طموحاتنا ، وارتبكت آمالنا . أنه لا مر عجيب فعلا !. وشعر الكثير ومن يومها بإحساس ..(( الدونية )).. وارتماء الكثير في ثقافة الإحباط .
غفل ، وتغافل ، وتغابي ، ذلك المسؤول السلطوي أن السلطة والمجتمع والمدرسة والشارع ومكان العمل . قد رسخ وجذر واجبر المجتمع على ممارسة فعل بل أفعال ..(( ثقافة الخوف )).. وسمعنا وقرأنا وتعلمنا الكثير من الأمثلة العامية التي تدعو لذلك مثل :
1/: زوج أمنا عمنا .
2/: بيضة ما تنطاح جبل .
3/: اللي يرد على الكبير يسقط في البئر .
4/: ما قالوه الباشا علينا ما شي .
5/: خليك ما شي على الرصيف .
6/: خذ ما تيسر واترك ما تعسر .
7/: الا يناقش الكبير ينطحه الفيل .
وكذلك شتى أشكال وممارسات مواقف تمنع قول الحق ، أو مواجهة الباطل ، أو مواجهة الكبار ، أو الكتابة بشجاعة ، أو الرد على آراء السلطويين أو الرد على فتاوى العلماء والفقهاء والمشايخ . وبسبب ضغوطات .. [ ثقافة الخوف ].. و.. [ ثقافة الإحباط ].. استحقر الإنسان نفسه بنفسه، لان سياسة الخوف والإحباط تقتضي وتقود إلى..((لتحقير ))..، استحقر الإنسان كل شيء في حياته ، ولا يحترم إلا الطاعة العمياء في كل شيء . جعلتنا
.. [ ثقافة الإحباط ].. أن نستحقر الدين والعادات والتقاليد وثقافتنا العربية والإسلامية ، واستحقرنا أدبنا وفكرنا وماضينا وتاريخنا وأصلنا ، واستصغروا كل شيء فينا . لقد فقد الإيمان بالنفس ، وهذا ما يسلب كل شيء في الإنسان .
ففي مرحلة ما من حياتنا العامة والسياسة والصحافية والثقافية منع الكثير من إلقاء المحاضرات أو نشر كتبهم ذات الاتجاهات المخالفة للفكر السلطوي . فكل من فعل ذلك عوقب بالسجن والتعذيب والملاحقة والمطاردة والمنع من السفر والمنع من الكتابة .
أليست هي ..(( ثقافة الإحباط )).. يا من تدعون اليوم أننا محبطين وضد التطور والرقي والارتقاء .
وتأكيدي المعرفي والثقافي يقول أن إنهاء وإقصاء ثقافة الإحباط ، لا يكون إلا عبر ممارسة ..(( ثقافة المواجهة ))..،. مواجهة الباطل ، مواجهة المسؤول المغرور والمتغطرس . مواجهة الطغاة ، مواجهة الظلم والظالمين .
مواجهة الإحباط ، بثقافة مواجهة .. [ الطغيان الديني ].. و.. [ الطغيان السياسي ]..
و.. [ الطغيان الإداري ].. . لان .. [ ثقافة الإحباط ].. و.. [ ثقافة الخوف ].. هي ثقافات كاذبة غاشمة مزورة ، عاقبتها الذل والعبودية والغفلة والامتهان . وهكذا نجد دافع ثقافة الخوف هو دافع لانحراف الإنسان عن آدميته وطلسمة ذهنه والهائه عن حقوقه وإشغاله بواجباته .
أن كشف التزوير في اداءعات الإصلاح مهمة صعبة ولكنها ضرورية لمنع زلزلة الثوابت والقيم والعادات . حتى لا يتم تسخير الناس كالبهائم . أن من أهم أدوات ثقافة المواجهة ، لمواجهة ثقافة الإحباط هي .. [ امتلاك الوعي ].. و.. [ النباهة ].. لدحض وكشف التزوير التي تقوم عليه ثقافة الإحباط . وبسبب .. [ ثقافة الخوف ].. التي رسخت فينا .. [ ثقافة الاحباط ]..، فقدنا قدرتنا وإمكاناتنا على أداء فريضة أو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أن من مرتكزات ثقافة المواجهة هي تحريك الأذهان إلى الوعي بكل شيء ، لمعرفة الجهل والغفلة عن القضايا المصيرية .
ومعرفة الحقوق الكلية والجزئية . والمواجهة تعنى الاعتماد على التصحيح ، والتنوير . فإذا كان الإنسان فاقداً للفهم والنباهة والشعور بالمسؤولية تجاه مجتمع ، لا يستطيع أداء أي دور من ادوار ثقافة المواجهة . فإذا لم نشعر بحاجتنا إلى الفهم والنباهة سنبقى محتاجين أرقاء جدد لمن يدعي الإصلاح .
بقي أن أقول انه ظن ،ويظن البعض القليل ، أن المثل الحجازي القائل / : (( مد رجلك على قد لحافك )) ، هو نوع من أنواع ثقافة .. [ الإحباط ].. وعدم حب الطموح ، وعدم التفكير في المستقبل . وهذا الكلام غير صحيح ، ولا يسير مع سياق الإنسان الحجازي الطموح بطبعه وطبيعته . فهذا المثل يدل على حسن الاقتصاد والتدبر والتدبير في المعيشة ، وعدم الإسراف ، وعدم الاقتراض من أجل توفير أمور وحاجات زائدة عن متطلبات الحياة . أي أن هذا المثل يدل على أن الإنسان يصرف في معيشته على قدر ما يملك من مال . بحيث لا يتجاوز حدود إمكاناته المالية . فهو مثل يدل على الحكمة والعقلانية في التصرف والسلوك المالي . وليس له أيه علاقة بالإحباط وثقافته، فذاك فهم غير صحيح . ولا يستقيم مع معنى هذا المثل الشعبي الحجازي .
وثقافة المواجهة .. [ المقاومة ].. تعنى الإبداع ، وهي كفاءة تتعلق بتطور الوعي الثقافي للإنسان . وهذا ما يخلق السلوك الإصلاحي ، والإصلاح هو مركز التغير والتغيير .

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk

ليست هناك تعليقات: