
فقد رأيت ، ورأى معي الكثير من الكبار في وطني ان .. (([ العبقرية المكية ])).. نريدها ان تكون لصورتها وكلمتها . مكانتها العالية ، وقيمتها الرفيعة . لقناعي وغيري ان الكلمة العبقرية المكية تذهب عادة الى ما وراء جدار التاريخ ذاته . فالعبقرية سوف تدلنا لنعرف ما جرى ؟ ولماذا جرى ؟ وكيف جرى ؟ فهذا يعني بالتأكيد ان العبقرية المكية سوف تحكي لنا ذلك بسرد واقعي .
ورغم ان بعض الكتاب والمؤرخين المكيين وكذا بعض علمائها ، غفلوا بسوء نيه او بحسن نية عن أهمية .. العبقرية .. وتأثيرها الكبير والفاعل على القرار السياسي والديني والتاريخي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي . ويبقى للاستدراك أهمية هنا حين أقول بوضوح ان البعض حين حاول العمل على إبراز تلك العبقرية أقصِىَ أو حُورِبَ او هُمِّش .
وكنت أظن ولم ـــ أكن مخطئاً ــ أن حقائق الجغرافيا لا يمكن لها أن تتغير كغيرها من الحقائق. ربما أن خطأ التغيير في حقائق الجغرافيا يعود لعامل ..[الاجتهاد السياسي]..، في رأيي. وما تغيرت حدود دول إلا بقرار سياسي قبل القرار العسكري. ولله الحمد والمنة إن عبقرية مكة المكرمة حالت دون تحقيق ذلك.إن التراث الجاهلي وكذلك الإسلامي في مكـة المكرمة إنما شكل له ثقافة مميزة على الأرض. وكل ذلك التراث يـبرز عروبة مكة المكرمة وإسلامها وعبقريتها. فهذا الحجر يكلم سيدي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. فسمى ذلك الزقاق، بزقاق الحجر.

إن الإنسان المكي عندما اختلط بغيره من المهاجرين والمجاورين لمكة المكرمة. صنع بمكة المكرمة ..[مجمعاً حضارياً]..، لا أبالغ إذا قلت ليس له مثيل في كل الأزمنة. في مركز هذا ..[المجمع الحضاري]..، ظهرت الأمة المحمدية المسلمة متفردة بلغة عظيمة ومعجزة أعظم ومتميزة، صنعت تاريخاً مشتركاً مع العالم بأسره. والسبب أن جغرافية مكة المكرمة وشخصيتها ..[العبقرية]..، ممتدة في كل الاتجاهات، وعبر تواصل إنساني لم ينقطع حتى لحظـة تدوين هذه الورقة. إنها استجابة إلهية لقوله تعالى: ..((تهوى إليه أفئدة من الناس)).
وأصبحت لعبقرية الإنسان المكي هويته الرائعـة والمميزة. لذلك كان سيدي وحبيبي محمـد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يفتخر ويعتز بمكيته حين يقول: ..(أنا أفصح العرب بيد أني من قريش).
أليس من عبقرية مكة المكرمة أنه تعقد بها أول اتفاقية سياسية اجتماعية فكرية، وهي وثيقة سياسية تدل على رجاحة العقل المكي. وهو ..[حلف الفضول].. والذي عقد بدار عبدالله بن جدعان بن عمر بن كعب. قال سيدي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الحلف: ..((لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت. حالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يغزو ظالم مظلوماً)).
الا يكفي عبقرية لهذه المدينة المقدسة أنها دعوة بركة من سيدنا إبراهيم عليه السلام ، هذه الدعوة النبوية العظيمة لم تحظ بها إلا مكة المكرمة ، فلذلك وضع الله البركة في مكة المكرمة في كل شيء .. بركة في الأمن ، بركة على الأرض ، بركة في العيش ، بركة في الثمرات والرزق بركة في الإنسان ، بركة في الماء. (( روي في الأثر ــــ فيما معناه ــــ إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل كعب الأحبار فقال له يا كعب ! كيف صنف الله الأخلاق في الأرض ؟. قال كعب : سأل العلم أين تختار ؟. قال العراق . قال العقل : وانا معك . وسأل المال أين تختار ؟. قال مصر . قال العلم : وأنا معك ، وسأل الحسد اين تختار ؟. قال : الشام . قال القلق : وانا معك . وسأل الرذائل أين تختارين ؟. قالت : المغرب ــــ المقصود منطقة المغرب العربي ـــ قالت الفواحش وأنا معك . وسأل الفقر أين تختار ؟. قال مكة . قالت القناعة وأنا معك )) أنظر يا سيدي ان القناعة بمكة المكرمة . وهذه من معطيات البركة .
إن مكة المكرمة مدينة عظيمة الجغرافيا لأنهـا محاصرة بالجبال التي تلتف حولها.
إن جغرافية مكة المكرمة تملي عليها أن تكون جزءاً مهماً للغاية لكل ما يحيط بها من دول ومدن وأمم وشعوب عبر انسجام غريب. فلذلك نجد أن مكة المكرمة تعايشت مع كل أنواع أنظمة الحكم التي حكمت مما حولها. من هنا أدركنا كيف شاركت مكة المكرمة في إقامة وتشييد حضارة مشتركة.
هذه الجغرافيا المكية دفعت بثقافتها وعبقريتها لتتفاعل مع كل الثقافات التي احترمت الثقافة الإسلامية، وإن لم تجيد النطق أو الكتابة باللغة العربية. إنها الصلات المفتوحة التي يصنعها الإنسان المكي. لقد كان البحر الأحمر ممراً وطريقاً عريضاً لعبقرية مكة المكرمة، وليس باباً كما يدعي البعض، في نشر الثقافة المكية.
إنه في صراعات التاريخ والجغرافيا يكون الحكم في إمكانات القوة الجغرافية، وليس في حركة التاريخ. من هنا تصدرت عبقرية مكة المكرمة حين اختارها ملك الملوك ذو الجلال والإكرام أن تكون مهبط الوحي, ومنبع ومبعث الرسالة السماوية المحمدية. أليس هذا الاختيار الإلهي هو دليل على هذه العبقرية الفذة!.
فعندما نريد أن نقرأ التغيير الذي طرأ على الإنسان المكي فلابد مثلاً أن ندرك تميُّز ملبسه فهي أكثر رقة وانسجاماً عن غيره من القبائل المحيطة بمكة المكرمة. فكان ينتعل الحذاء الخفيف والأنيق للبعد والهرب من قسوة وحرارة الأرض التي يسير عليهـا. والشال.. أو العمة تشير إلى رقتها وجمال لونها الفاتح احتراساً من شدة المناخ، وكذلك عباءة الشعر أو القماش الشفافة فهـي من انتاج البيئة المكية أو ما تحمله بضائع الشام. وهذه عبقرية التعامل مع الطبيعة, دون الصدام معها.إن مكة المكرمة مدينة ذات جغرافية ..[طموحة].. تتجـاوز كل الحقائق والنظريات والفرضيات العلمية. والأمر المؤسف حقاً أن ..[عبقرية وجغرافية مكة المكرمة].. لم يهتم بها ولم يكتب عنها بعمق أو بلغات حية إلا بعض المحاولات القليلة.
ففي كل وادٍ، وجبل، وصخرة، وسهل، وتل، وزقاق، وحارة، وشارع، بل في كل شبر من أرض مكة المكرمة يكمن فكر عبقري. بل في كل ذرة تراب عبقرية. وهذا التراب أظهر عبقريته حين غرست أقدام خيل سراقة بن مالك، رضي الله عنه، عندما أراد أن يبلغ عن موقع خروج الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه. هذه المواقع الجغرافية المميزة لها مكانة عظيمة في نفوسنا وكياننا وملكاتنا. لذا يجب أن نبرزها وبكل أشكالها.

إن أي تقصير علمي وغيره تجاه مكة المكرمة يعني فشلنا وتقصيرنا في عدم قدرتنا بمعرفة قيمة ومكانة وثقل
ووزن مكة المكرمة. ويعني أننا نغفل عن أبعاد وشموخ ..[قامتها]..، أرى ضرورة أن نسخر هذه القيم والمزايا لخدمة احتياجات مجتمع هذه المدينة المباركة.
إن أهل مكة المكرمة أمة متحضرة، إذ تأثروا برطوبة وحضارة ساحل مدينة جدة الحضاري فكل من سكن أو قرب أو جاور ساحل البحر أو النهر تأثر برطوبة الماء، فيكـون حضارياً بنفس درجة تحضر البحر أو النهر. فاتساع الأفق على سطـح البحر أو النهر له تأثيره البالغ على عقلية ونفسية الإنسان.
● ومكة المكرمة فوق جميع المدن.
● ومكة المكرمة ملك للجميع روحياً.
إن شخصية مكة المكرمة هي بكل المقاييس وبإجماع آراء العلماء والمؤرخين والمفكرين من أغنى عبقريات شخصيات المدن، وأفضلها على الإطلاق بتعدد جوانبها المختلفة. بل إن الكثير من حقائقها تعتبر إنتهاءات علمية يقينية راسخة لا تخضع للجدل أو النقاش.
للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق