الروايـــــة السعوديـــــة قراءة نقدية

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي

أديب وكاتب سعودي

ما الذي جرى في نص الرواية السعودية ، حتى أصابها فقر في الولاء للدين ، وفقر في القيم ، وفقر في المبادئ ، وفقر في الاخلاق ، وفقر في المثل ، وفقر في الفكر المجتمعي .
لقد انهار الكثير من نظام الخصائص والمرتكزات والادوات التي ارساها كتاب الرواية السعودية الكبار ، تحت ضربات معاول كتابة بعض الروايات السعودية في المرحلة الحالية. لقد اتخذت في مقالي هذا نماذج من بعض الروايات السعودية وهي :

1/: المطاوعة ، تاليف مبارك على الدعيلج .
2/: سعوديات ، تاليف سارة العليوي .
3/: حب في السعودية ، تاليف ابراهيم بادي.
4/: بين مطارين ، تاليف نبيلة محجوب .
5/: نساء عند خط الاستواء ، تاليف زينت حفني .
6/: جاهلية ، تاليف ليلي الجهني .
7/: ملامح ، تاليف زينب حفني .

يؤسفني ان اقول ان نص هذه الروايات وغيرها اعتمد على .. [ استبلاه الناس ].. و.. [ احتقار معارفهم واخلاقهم وقيمهم ]..،. مع .. [ الاستخفاف بعقولهم ]..،.
واصبح نص هذه الروايات السعودية مسكوناً .. [ بهاجس الجنس ].. و .. [ مراكز الشهوة ].. في الإنسان . فمثلا تقول زينب حفني في روايتها ملامح : ((منحته كل ما كان يرغب فيه ، تركته يهتك كل قطعة من جسدي ، كنت اريد أنا الأخرى إنهاء مهمتي ، أزيح كابوس من التوتر جثم طويلاً على صدري . عند خروجه ، قدم لي علبة صغيرة من القطيفة الحمراء ، قائلاً : هذه لك أنت تستحقينها بجدارة ، إنك أشهى مما كنت أتوقع )). وهذا ما يجعلني اقول من البداية ان هذه النصوص السعودية لم تكن صاحبه رسالة ، حتى نضفى عليها الشرعية الادبية والثقافية . لا قيمة للافكار فيما ارى امامي من نصوص . بل ان جميعها تمكن كتابها من تجنيدها في .. [ مشروع الجنس ].. فقط ، ولا قيمة للفكر الديني او السياسي او الاجتماعي . فلا يستطيع مثقف مثلي منحها دلالتها الثقافية والمعرفية. وتلك الدلالات هي التي تضفى عليها الاهمية التاريخية . فأزعم ان قارئ مثل هذه الروايات يلقى بها ضمن سلة المهملات ، ولا يحرص ان تكون ضمن قائمة كتبه . بعد الانتهاء من قراءتها . فالتأثير مؤقت وزائل .

هذا .. [ الهوس الجنسى ].. في نص الرواية السعودية حالياً استبد باشياء كثيرة وابعد اخرى ، وذلك بسبب سيطرة .. [ النزعة الجنسية ].. لدي بعض المؤلفين ربما لقناعة اؤلئك المؤلفين لمثل هذه الروايات الجنسية او الشهوانية ، انها تحقق لهم ..(([ التحشيد الجماهيري ])).. و ..(([ التجيش الثقافي ])).. انهم يريدون صناعة الجمهور عبر أداة الجنس .

ان نص هذه الروايات وغيرها لا تقدم إدراكا ثقافياً ولا معلوماتيا . بل إنها تنتج للشباب مواقف وخيالات جنسية واسعة ، بل هي تنتجها في لغة اثارية وربما حركية. فيقول مبارك علي الدعليج في روايته المطاوعة:(( شكلك أنت اللي عرضت نفسك عليه يا مبسبس )). وفي موضع آخر يقول : ((يوم جينا نسبح بدأ يمازحني في الماء وأصبح جسده قريباً من جسدي وأحسست بحرارة شهوته تصل اليّ حتى غطت المكان فخيل الىّ أن الماء حار ، فخرجت من المسبح وأنا محتار هل أعلم ابو صهيب بشكوكي واللا علي ، ولكني أنا وهو متزاعلين ، وإلا أبلعها وأسكت )). لذلك فان مثل هذه النصوص تغذي الشهوة ، ولا تنضج العقل . وهذا النوع من .. [ النصوص الشهوانية ].. لا يعمل على اى بناء منهجي أوثقافي في وعي متلقيها . لان النص الشهواني عادة لا يخاطب العقل ، بل يخاطب مراكز الشهوة وهو يفعل ذلك لعلة في النفس ، وربما قد تكون .. [ عقدة نفسية ].. مترسبة من الصغر ، ففعلت فعلها في الكبر، فهذا ابراهيم بادي يقول في روايته حب في السعودية (( تستلقي على فخذه تمد ساقيها على مقعد الراكب . تفتح أزرار القميص ، بينما يفتح سحاب بنطلونها وزره . تخلعه بطريقة يصعب من خلالها على من هو خارج السيارة ملاحظة ما تهم بفعله . تنزعه بخفة وبسرعة ، لتتخلص من قلق يلازمها حين تفعل ذلك ببطء )) . وفي موضع آخر يقول : (( تبقي في أحيان كثيرة على ملابسها الداخلية. تقول له : أحب مداعبة يدك من فوقها )). تبرر له في مرات أخرى بأنها ترغب في ان ينظر إلى جمال فخذيها ، لا إلى شيء آخر ، وبأنها لا تحبذ فكرة أن تكون عارية تماماً )).

في حين ان نص بعض الروايات السعودية لكتاب سعوديين كبار مثل روايات الدكتور تركى الحمد ، وسمو الامير الدكتور سيف الاسلام بن سعود والدكتور غازي القصيبي وغيرهم ، عملت نصوصها على استنهاض حاسة التأمل والنقد لدي المتلقى ، يضاف لذلك استفادة المتلقي من المعلومات السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي ترد برواياتهم .

ونص مثل هؤلاء الكتاب الكبار ادى الى تضخم حضور .. الكاتب الروائي .. في الثقافة العربية بعكس الروايات الجنسية التي اشرت اليها في مقدمة مقالي فهى تعمل .. [ ضمور ].. وزن النص الروائي السعودي في الثقافة العربية . بسبب هشاشة علاقتها بجوانب فكرية وثقافية كثيرة .

ان كُتاب هذه الروايات الجنسية وغيرهم تحولوا بفعل نصهم الروائي من كتاب الى مسوقين للجنس ، وكأنهم يبحثون عن دور خلاصي من همومهم واوجاعهم الشخصية . فهذا ما نجده في رواية ( الحفائر تتنفس ) حيث يقول عبدالله التعزي : (( لا أعرف في حوش الشناقطة سوى حليمة وابنتها برغم أن الحوش ، المكدس بأكوام من صناديق التنك ، يمتلئ بخلق كثيرين لا اعرف منهم سوى ذلك السواد الخفيف لدى الرجال وتلك الأرداف الضخمة تهتز معها صدور النساء ، وشوارب الرجال، عند سيرهن )). وفي موضع آخر يقول : (( كانت كبيرة في السن لدرجة ارفض ان يكون ابي قد مارس الجنس مع عجوز مثلها )).

ان ما يقوم به بعض هؤلاء الكتاب انما يعني ان فعلهم هو .. [ اغتصاب ثقافي حاد ].. للثقافة العربية السعودية . بسبب فعل الشهوة للافكار الدينية والاجتماعية . حتى اصبحت كتبهم أو رواياتهم وكأنها .. [ معمل ايديولوجي لصناعة الفكر الجنسي ].. وهذا ما يجعل مثقف مثلي يقول انهم دعاة للإباحة الجنسية الثقافية اكثر مما كونهم كُتاب رواية . وهذا النص انموذج لما اقصده حيث كتبت وردة عبدالملك في روايتها ( الاوبة ) حيث قالت : (( وستدعك إصبعي حبه الفراولة وتعصرها وبين عيني شرج الشامية وعضو الشيخ علي . او عضو الشيخ علي داخل شرج الشامية . ثم سأشم رائحة القرنفل ويعلو صياحي من اللذة )). وفي موضع آخر تقول : (( حين قالت لي جدتي : الخايس اشترط ان نرد له ثلاثينة ، قلت لها : سندخلها في مؤخرته الخايسة لو أحب )) .

خاصة ان بعضهم ــ واعني كتاب الروايات ـــ لم يربط نفسه بوثاق اخلاقي وديني ، فاستخدم المفردات الجنسية بصورة مباشرة . ولم تضمحل طاقة الكاتب ، لا بل ان بعضهم ـــ والعياذ بالله ـــ شحن اكثر المفردات إثارة للشباب لتحريك غرائزهم الجنسية ، ويظن بعض اؤلئك الكتاب انه في قدرته الثقافية والكتابية صنع الاعاجيب في ذات القارئ . فمثلا تقول وردة في رواية( الاوبة ):(( إذا خلص من قذارته ذهبت الى البانيو لأدعك حبه الفراولة وأبكي من اللذة التي لم أعرفها تحت علي ولا فوقه ، ولا فوق عبدالله ولا تحته. وضعت يدي على فمي وبدأت أقهقه وجسدي كله ينتفض. ناولتني كأس ماء وهمست : انت يا سارة امرأة رائعة )).

ازعم انني اعرف جيداً وبكل تاكيد ان هذا النوع من الكتاب الرؤاوين سيكون له في كل مرحلة جمهوره من القراء رجالا ونساء وربما مراهقين وغلمان، وان ذلك القارئ يصغي اليه ويعجب به. ولكن اقول لأؤلئك الكتاب، ماذا بعد كل هذا التفسح والانحلال في النص والمعنى؟.

ماذا سوف يفعل نصكم الكتابي الذي يجا في القيم والاخلاق الدينية والاجتماعية ؟.
هل الانتصار في قاموسكم الجنسي ان تعملوا على افساد مفردات شبابنا ، واثاره نزعاتهم الضيقة، وتحريك شهواتهم الفائرة اصلا والمشتعلة بما يحيطون به من محركات لمزيد من الشهوات .

انني اشعر ـــ هكذا اعتقد ـــ ان في منهجكم الكتابي هذا يسعى بعضكم الى افق يهدف الى توظيفات اخرى ، بعضها تتعلق بكم ككتاب ، وبعضها يرتبط بالقارئ . ولكن دعوني اقول لكم كما تجدون أعجاب بنصوصكم الجنسية ، فان هناك ثمة قدر هائل من المحتقرين لتلك النصوص الهابطة والتي تخدش الحياء الإنساني في بعضها . وكما ان نصوصكم تتعرض للقدح والذم في نفسيات الكثير الذين لا يستطيعون التعبير عن غضبهم منكم ، وذلك لمنع كتاباتهم من النشر من قبل بعض القائمين في الصحافة المحلية ممن هم على شكالتكم ومنهجكم .

ان نص الرواية السعودية في بعض تلك الروايات التي ذكرتها وغيرها يخاطب نوازع .. [ البحث والقلق الجنسي ].. في نفس الكاتب وبعض القراء ، ولكن ذلك النص لا يصغي الى أي نداء يقع في نطاق الاخلاق والقيم والمثل الدينية والاجتماعية وما كتبه عبدالله التعزي ، في روايته ( الحفائر تتنفس ) يجسد بوضوح ما قلته فيقول الكاتب : (( كان رأسي يدور بسبب هذه المرأة المومياء الجالسة أمامي ، كانت ذات جسم متناسق يغويني ، ويغويني أكثر ردفاها تتغنج بهما ، أمامي ، حتى أكاد أجن . اقتربت من جسمها الأسمر الدافئ ، أتحسس نهديها النافرين . آه ... ما أجمل هاتين الحلمتين ... جرفتني قبلتها الى هذا الجسم الأسمر ليحرقني لهبه ، فتغيب بعدها اللحظات عني ولا أعود أتمكن من فهم او تفسير ما يحصل ، الى أن قذفتني الشهوة وهي في قمة ارتعاشها بين ثنايا الجسد الأملس ، فتراجعت منهك القوى وانفاسي تختلط بصوتي الهادر )). والمؤسف ان ذلك النص الروائي لم يستطع تكوين الاجوبة على الكثير من الاسئلة المجتمعية ومطالبها .

وربما هذا ما يجعلني ازعم انه لن يكون في حوزة ذلك النص الروائي الفاضح والفاحش ، بعد الآن ، ما يستطيع ان يقدمه للمجتمع السعودي ، فقد اصبح يفقد بريقه حتى في الذات الشبابية ، لان خيال الكتاب اصبح بشكل واحد ، وهدف واحد ، واسلوب واحد ، ومنهج واحد ، ونهاية واحدة ، ومفردات موحدة ، بل انها مقلدة بعضهم البعض . يضاف لذلك ما وجده بعض الكتاب الرؤاوين من هجوم ومقاومة في بعض المؤسسات الثقافية اثناء ممارسة الالقاء بها . ونشرت الصحافة المحلية الكثير من تلك الفعاليات الهجومية ضدهم .

هل يريد اؤلئك الكتاب تزوير الوعي السعودي ؟.
هل يريد اؤلئك الكتاب ان يقولوا للعالم كله ان الشعب السعودي كله يعاني من ازمات وعقد جنسية ؟.

وقعت هزات اجتماعية عنيقة ضربت عمق عاداتنا وتقاليدنا العربية والاسلامية ، بسبب ما كتب من نصوص اباحية وفاحشة وفاضحة في تلك الروايات ، الخالية حتى من ادوات كتابة الرواية . والخالية من .. [ الحياء ].. و .. [ الخجل ].. ،. فبعض تلك الروايات كأنها قصص فردية وشخصية اراد كاتبها ان ينشرها على العلن . ثم يدعي انه كاتب روائي .

اريد ان اقول : ان ما كتب ويكتب في مثل هذه الروايات وغيرها لا يمكن ان يمثل المجتمع السعودي ، بأي حال من الاحوال . صحيح نحن لسنا من الملائكة ، ولا الملائكة منا . ولكن تصوير المجتمع بمثل هذه الصور الروائية الفاحشة والخليعة ، لا يمكن ان يقبل ، وفيه تعدي وتجاوز على قيم ومبادئ واخلاق وثوابت ، وتقاليد واعراف المجتمع السعودي المحترم والمحافظ . اتمنى اعادة النظر من قبل بعض الكتاب الروائين في نصوصهم ومفرداتهم وافكارهم حفاظاً على صورتنا في المستقبل البعيد . فأخشى ما أخشى ان التاريخ يلعن ويكذب من يجرؤ على قيمه واخلاقه ومثله وعاداته الاسلامية الفاضلة .

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611

ليست هناك تعليقات: