أديب وكاتب سعودي
.. [ جريمة أخلاقية ].. بل أنها .. [ جريمة في حق الشعب ].. فالحاكم ليس لديه الوقت الكافي لفحص ومناقشة كل .. [ نميمة ].. تصله .
واليوم وفي أروقة ودهاليز الحكم العربي يتعرض الكثير من أبناء الشعب لكثير من .. [ التلفيفات ].. ضد المخلصين والشرفاء والنبلاء والمصلحين من الشعب . ويعمل أولئك .. [ النمامون ].. و.. [ الملفقون ].. على فعل الوشاية بين الحاكم والمحكوم . لقناعتهم أنهم يتخلصون منهم بما يفعلون من وهم وتلفيق ووشاية ونميمة .
و.. [ النميمة السياسية ].. وغيرها مرهونة دائما بالظرف التاريخي الذي يفعله المثقف أو المصلح أو أي مواطن بصفة عامة . ويستغل .. [ النمامون ]..،. أي كتابة نقدية ضد الحاكم من الكتاب والمثقفين والمصلحين ويعملون على إفهام الحاكم أنها .. [ تحاول العيب في ذاته ].. وفي الإسلام مسموح بالعيب والنقد في ذات الحاكم فالحاكم هو بشر ليس معصوماً من أي خطأ، مادام انه تولى منصب عام ويتمتع بصلاحيات سياسية تسمح بضرورة نقدها . ويعرف كل الحكام العرب أن الكتابة النقدية وعنهم لها مذاق سياسي مميز .
وتزايدت صيحات .. [ أهل النميمة ].. وأعنى صحات الاحتجاج ضد الكتاب والمثقفين ، وعملوا جاهدين في تكوين وإصدار حزمة قوية مطاطية تتيح للحاكم ملاحقة من ينتقده . وضرب النمامون عرض الحائط بكثير من القواعد والنصوص الأخلاقية الإسلامية التي تحرم بل تجرم من يفعل تلك النميمة .
وعندما يمنع المثقف والكاتب والمصلح من نقد الحاكم ، فان ذلك يعني شئ واحد هو غياب أهم أضلاع مثلث السياسة وهو المواطن والمشتمل بالتعبير عن الرأي في سائر جوانب الحياة السياسية . وهذا يعني بالتالي غياب تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم المواطن هو أهم ركائز عملية الحكم والسياسة .
وتتأكد خطورة .. [ النميمة ].. وحقيقة ممارستها بشكل لا لبس فيه بالعودة الى ذكر بعض المواقف التاريخية في تراثنا الإسلامي ومنها هذه القصص والروايات .
1/: يروى أن الخليفة العباسي المعتصم بالله كتب إليه احد الولاة والمشهورين بكثرة النفاق وحبه للنميمة . فكتب له قائلا : لقد توفي رجلا غنيا وترك خلفه مالا وفيراً ، وامرأة جميلة ، وغلام ، فكتب له المعتصم وعلى خلف نفس الخطاب أو الرقعة التي أرسل عليها الوشاية ، قائلا له : إلى عاملنا لقد علمنا بما كتبت إلينا ، فالمال نماه الله ، والمرآة رعاها الله ، والغلام حفظه الله ، وأما أنت فعليك لعنة الله .
هذا أنموذج راقي لحاكم يخاف الله في رعيته ، وحاكم يعرف ويحفظ كل أنواع .. [ النميمة ].. فكفا نفسه شر الظلم . من وشابة الواشين ، ونميمة النمامين .
2/: كما يروى أنه جاء رجل إلى الخليفة الزاهد سيدنا عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وقال له : يا أمير المؤمنين أن جاري شق عصا الطاعة لك . فقال له عمر : يا رجل أن صدقت في قولك فينطبق عليك قوله تعالى : [هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ] {القلم:11} وإن كذبت في قولك فينطبق عليك قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] {الحجرات:6} . وسوف نحقق في الأمر ، فأذهب ولا تعود لمثل هذا وذهب ولم يعد .
هذا أنموذج حضاري راقي آخر للحاكم العربي المسلم الذي لم تؤثر فيه
.. [ وشاية ].. أو.. [ نميمة ].. من أحد الرعية ضد آخر . بل فعل الحاكم .. [ فعل التحري والفحص من النميمة ].. ولم يأمر بسرعة معاقبة أو سجن أو تعذيب ذلك المواطن الجار الموشى به .
3/: عرف أيضا عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه فصيح وبليغ وحافظ للقران المجيد من الأول حتى آخره ، والعكس . وكان الحجاج هو أول من أطال وقت صلاة الجمعة ، بحجة أنه طالما الإنسان في المسجد فانه في صلاة . وكان يحرص دائما أن يخطب بنفسه في صلاة الجمعة فخطب ذات مرة مما نفر المصلين من الإطالة . فوقف أحد المصلين وصاح قائلا : الصلاة الصلاة الصلاة . فأمر الحجاج بسجنه ووش به البعض من بطانته بهدف أن يعذبه الحجاج . فعلم أهله وذهبوا للحجاج للشفاعة في ابنهم وقالوا للحجاج أن ابننا مجنون . فقال لهم الحجاج اذهبوا إليه واجعلوه يعترف بأنه مجنون حتى أطلق سراحه . فذهبوا إليه وقال له أهله قل بأنك مجنوناً . فصاح ذلك الرجل في أهله وقال لهم قوله تعالى : [ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ] {آل عمران:61} فعلم الحجاج بما قاله وأعجب به وأطلق سراحه . لصراحته . وبلاغته في الرد .
هذه النماذج تؤكد أن غياب .. [ عنصر التحري ].. في فعل .. النميمة .. عند الحاكم ، يعمل على نميمة النميمة في المجتمع وفي داخل أروقة ودهاليز السياسة وينبغي على الحكام العرب اليوم أن لا يكونوا شديدي الحساسية لكل ما يمسهم أو يمس سياساتهم من بعيد أو قريب . وان لا يستقر في نفوسهم التعالي والتكبر والكبر على الشعب . وان لا يضفوا على أنفسهم درجة من القداسة والحصانة . واذكر الجميع بما قاله ذلك الأعرابي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (( اعدل في قسمتك يا محمد )). فيرد عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبكل تواضع وسلوكيات إسلامية عالية وراقية لابد أن يتعلمها الحكام قال له : (( إذا أنا لم اعدل فمن يعدل ..)).!. ولكن للأسف أن بعض الحكام يقرأ وأن أراء ماكيافيلى وهم صغار ، ثم يطبقونها وهم حكام.
والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .
للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق