العناد .. واليأس .. والقنوط هزموا المثقف

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي

 أديب وكاتب سعودي 
بلغ المفكر والمتنور العربي السعودي الكبير والمشهور الاستاذ عبدالله القصيمي ، والذي توفى منذ سنتين . مكانة متقدمة في الأدب والثقافة والفكر العالمي ، يصنف ويعد ممن هم في الطبقة الاولى من مفكري العالم ، كما أنه بلغ درجة عالية من .. ( النضج الثقافي والفكري والديني والسياسي ).. فنظراً الى حساسية إسم هذا الرجل الكبير في الماضي ، حيث ان مناقشة فكره وثقافته او ان مجرد ذكر إسمه يعتبر في الماضي من العيب والعار بل هو من 
..((المحرمات )).. واليوم أصبح القصيمي ـــ وبعد وفاته بالذات ـــ موضوعاً شائعاً ومباحاً وليس عاراً. وربما في ــــ تقديري ــــ ان هذه إشارة متينة الى تحرر فكري وصحافي في الصحافة ، وبالتالي دليلا على مدى صلابة إسم القصيمي رغم رحيله . ورغم انه حمل السلم بالعرض . 
أحمل للأستاذ المفكر الكبير عبدالله القصيمي مشاعر التقدير و الإحترام والمودة الصادقة التي أكنها له من إيماني الوثيق بأن القصيمي هو أفضل رجل متنور ومثقف ومفكر عربي حاورته واختلفت معه دون ان يحقرني او يصغرني او يهاجمني او يتهمني . وحاورته وهو ليس مسؤولا عن التحليل الذي أجريته معه وخاصة حول حادثة الافك . كان الرجل كريما جداً معي في حواراتي معه وخاصة ان منحني الكثير من وقته فهو كان دائماً يرحب بي وبأفكاري الإسلامية . على الرغم من إختلافنا في وجهات النظر إزاءً عدد من القضايا والمبادئ الإسلامية . رغم انه أتهمني بأنني .. [ مجادلاً عنيفاً ].. ،.
لقد أخذ القصيمي موقعاً طليعياً على الساحة العالمية وليس العربية كما ذكرت جريدة عكاظ . قدم القصيمي مبررات عقائدية عديدة بإدعاءات إيديولوجية فظيعة بهدف بلوغ أهداف عقائدية جديدة متسمة بأسئلة مادية أكثر منها روحية . ومع استثناءات طفيفة انتقل بأفكاره الى عقول من حاورهم وبموقف بارد نسبياً ، مثل الحديث عن كتابه : الكون يحاكم الإله والذي اهداه الى ابليس العظيم كما ادعى . فلقد اعجب به الكثير من الذين جلسوا مع القصيمي وناقشوه فيه . 
ازعم ان شخصية عبدالله القصيمي ستكون .. ( كوثيقة فكرية ).. انتهكت حرمة الثقة في العقيدة الإسلامية . كنت قد سمعت منه وربما سمع غيري ، ما سأقول ، وربما يعرف وينشر لأول مرة وهو ان جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز ـــ رحمه الله ــــ قد أرسل للأستاذ عبدالله القصيمي وفداً رفيعاً المستوى من بعض العلماء ورجال الدين . في فترة الستينات الميلادية برئاسة فضيلة الشيخ عبدالله خياط ــــ رحمه الله ـــــ لمحاولة إعادته الى رشده واستتابته ليعود الى عقيدته الإسلامية . وقد فشل ذلك الوفد في تحقيق هدفه وهدف مرسله ، لأن تلك المرحلة كانت تشكل له قمة التحدي خاصة بعد تعرضه للإبعاد من دولة لأخرى . وكنت اتمنى على مراكز البحوث السياسية اعداد دراسات قوية عن القصيمي لمحاولة البحث في مثل هذه الجزئيات المهمة بل هى محطات لها تأثيرها في حياته . 
قابلت عبدالله القصيمي ثلاث مرات في حياتي كلها ، وحواراته عندما فتح معي حديث حادثة الأفك وكان من بين الحضور ممن أعرفهم ــــ حينذاك ـــــ الاستاذ/ لطفى الخولى كان رد فعلي الاول هو ان ارد عليه فوراً واضغط عليه حتى يتنازل في النهاية عن وجهه نظره ومهما كنت واثقاً من نفسي وقدرتي . ولكن اعترف بشجاعة انى فشلت فشل ذريعاً في محاولة إقناعه او تغير أفكاره ، وايضا كان رد فعلى الثاني قناعتى انه لمن الجنون محاولة النزول معه في مثل هذه الميادين الشاقة . كما وجدته رجلاً ذو خبره كبيرة وعالية في التعامل مع المثقفين والمفكرين . ادركت ان مثل القصيمي رجلاً لا يجدى معه العنف في الحوار ولا يحب التملق وكلما حاورته زاد تمسكاً بموقفه وأفكاره وجدته لايستلم بسهولة بعدها أدركت بأني غير قادراً على ضمان تجاوبه مع كل قضية تطرح أمامه ومعه . غضب ذات مرة منى حين قلت له : 
(( علينا ان ندع الحقائق ، واعنى الحقائق الدينية وحدها مهما كانت تفرض نفسها على الواقع فرد على حقائقي غير حقائقك التي تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب وبدون وعى ))..
لا بد ان اقول ان اول زيارة لي للقصيمي كانت برفقه الاديب والشاعر الكبير الاستاذ / ابراهيم فوده ــــ رحمه الله ـــ وذلك بحى المنيل ثم زرته مرتين بعدها لوحدى وأذكر انه في الزيارة الاخيرة لي له حملنى سلاماً لمعالي الاستاذ /حسين عرب والاستاذ /حسين سرحان ـــ رحمه الله ــــ يومها أشاد بقوة أدب وشعر وثقافة حسين عرب وكذلك مدح شاعرية السرحان وقوة استخدامه للرمزية في قصائده . 
وأريد ان اقول ان سبب كتابتي لهذا المقال هو قراتي لسؤال صحافي يقول ذلك السؤال وجاء كالتالي : لماذا تحول عبدالله القصيمي كل هذا التحول من قمة التعصب الى اقصى التمرد الفكري ؟. ولعدم إعجابي او قناعتي بما كتب وغيره اريد ان اذكر الحوار التالي الذي دار بيني وبين القصيمي حول هذا السؤال وجاء الحوار كالتالي : 
ذات مرة وفي مدينة القاهرة وبحى المنيل بالتحديد وفي شقة المفكر السعودي الكبير الاستاذ / عبدالله القصيمي صاحب كتاب العرب ظاهرة صوتية والكون يحاكم الآلة . وعبر النقاشات الطويلة مع القصيمي سالته السؤال التالي : 
استاذ / عبدالله أنت مفكر ومنظر ومتنور حقيقي ، وصاحب ثقافة عالية حقيقية لم أجدها في إنسان قبلك ونصك لم أقرأ مثله حتى الان بل ، لم اجده في نص ملاحدة الغرب . فلماذا كل هذا الكفر بالله والإلحاد ؟. ولماذا لم توجه كل هذه الطاقة بعودتكم الى جادة الطريق والعودة لإعتناق الإسلام وخدمته في كل قضاياه ؟. فأنت قادراً على فعل الكثير من أجل الإسلام قال لى سأجيبك على سؤالك الذي سمعته من الكثير غيرك . بسؤال صغير ومختصر فقال لي : 
من أخرج إبليس من الجنة ؟.
قلت : العناد .
قال : هو أنك كذلك . 
قلت : هل وصل بك الحال لهذه الدرجة من العناد . 
قال : (( بل أكثر مما تصور . ثم حكى لى الكثير من القصص والافكار التي لم اسمع بها من قبل حتى وصل بنا الحديث الى حادثة الإفك فطلبت إيقاف الحديث )). 
اريد ان اقول وبصوت مسموع ان الحالة التي وصل اليها القصيمي كانت بسبب 
.. [ العناد ].. و.. [ اليأس ].. و.. [القنوط ].. التي سيطرت على حياته وعقله وفكره . واستدل على ذلك انه لو غير من سيطرة وعنقوان وتاثير هذه المسببات لكان بإمكانه ان يتراجع عن كفره والحاده وإخطائه في أيامه الاخيرة ويعلن توبته الصريحة . قال تعالى : (( إنك لا تهدي من احببت )). 
ويا آمان الخائفين .
والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk





ليست هناك تعليقات: