العنـــف الفكــــري

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

كيف نتعامل مع العنف الفكري في هذه المرحلة ؟. قال المثقف ابن المقفع : (( إن المستشير وإن كان خيرا من المستشار رايا فإنه يزداد رأيا )). العالم اليوم ينظر إلى كل شيء نظرة عنف شمولية في ظل فكر ومفاهيم جديدة ، يمكن أن تستوعب بسهولة . ومن أهم الكلمات التي برزت في العصر الجديد هي كلمة : ( جلو باليزيشن ). (Globalization )وهي مازالت تبحث عن ترجمة لها ، كما قال طارق أبو غزالة ، فالتوجه هو نحو تحويل كافة جوانب الحياة إلى كيانات جلوبال . أي أن هنالك نظرة شمولية للعالم في ظل قيادة عالمية واحدة . تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تسيطر على العالم . فسعت إلى تخويف العالم من .. [ العنف الفكري ]..،.
وما نراه من .. عنف فكري .. هو طفح على سطح الساحة الثقافية ، ويؤلمني كغيري ان نرى هذه البقع والقرح قد انتشرت هنا وهناك . أن .. العنف الفكري .. ليس من طبيعة الفكر الإسلامي ولم يكن من أخلاق القيم والمبادئ الإسلامية . ولعل ما برز على السطح هو خير دليل على أن القاع يعاني الكثير من هذا المرض ، انه غضب مكتوم يترجمه في لحظة ما الفاعل إلى عنف وإرهاب . واعتقد ان شيئاً ما يتحرك داخل هذا الغضب ، خلق حالة خلل في الساحة الفكرية . وكأن هذه الحالة تدرب وحوشا لتحارب فكرنا وثقافتنا الإسلامية ، حتى نغرق في مستنقع فكري عفن . هل كان خيالنا واقفاً قاصراً عن إدراك هذه الحالة ، وأنها ستقوى وتنتشر في كل الزوايا والخبايا . لتشكل لنا أنواع العنف الديني والفكري والاجتماعي والسياسي . ولا أظن أن المجتمع يبالغ في وصف هذا العنف، لأنه لا أحد يريد أن يعبأ احد ضد احد . والمؤسف أن المجتمع العربي يبالغ في إبراز بعض النماذج وان كانت مجروحة ومصابة بهدف تسليط الضوء عليها وإعطائها حجم اكبر من حجمها الطبيعي ويغفل اؤلئك المغفلون أن .. [ العصبية ].. في العنف الفكري إنما تنطوي على إساءة الظن . أنا اعتقد أن بعض النماذج الفكرية عصبية جداً على بعض النماذج الأخرى المتقدمة . ولذلك أرى انه ليس من حقك أن تتهم شخص مسلم إلا ومعك دليل الاتهام ومن لا يملك أدلة يتهم بها الأبرياء والشرفاء والنبلاء ، فليصمت أو ليرحل إلى ما يريد من أمكنة تتقبله وأفكاره الشاذة ، ولست هنا اقلل من قيمة أو انتقص من حجم احد . لكن عندما نعطى القوة لجاهل نصبح مخطئين في حق المجتمع وفي حق نفسه . 
فالمؤسف ، بل المخزي ان الفضائيات العربية أصبحت تعطى الفرصة الكاملة والكبيرة للبعض من عناصر وافراد المؤسسة الدينية . للظهور على الهواء مباشرة وتلك العناصر من المشائخ او الدعاة او العلماء او الفقهاء تفتى على الهواء مباشرة ، فتاوي تصدر بدون استحياء ولا مرجعية ولا عقلانية ولامنطقية , ومعظمها تصب في تكفير الناس وخاصة المثقفين والمفكرين ، وبعضها يدعو للفرقة ، وبعضها يدعو للجهاد ، وبعضها يؤيد الإرهاب وقس على ذلك . 
وحتى الصحافة الخليجية أعطت كل الفرص للعلماء والفقهاء يقولون ما يريديون ، وفي المقابل يمنعون الرأى الأخر من الرد عليهم وفضحهم وكشف عوراتهم ، وتعرية فكرهم . واليوم ونحن في القرن الواحد والعشرون يقوم أحد علمائنا الكبار ويدلي برأي في صحيفة المدينة بعددها ( 16199 ) بملحق الرسالة . يقول فيه :(( دعوى التقارب بين الأديان هي جمع بين الكفر والإيمان )). هذا العالم نسى انه وزملائه العلماء علمونا ومنذ نعومة إظفارنا ، ونحن في المرحلة الابتدائية أن من أركان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله . فكيف يأتي اليوم لنا ويلغي هذه الأركان الإيمانية ، ويلغي كلام العلماء الذين علمونا ذلك ؟. 
فكيف أثق بعد ذلك في علمه وكلامه ؟!. ثم أليس هذا أرقى درجة في الغلو في الفكر الديني . نسى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد حاور وناقش اليهود والنصاري . ونسى هذا العالم أن العلماء السابقين قد بنوا آراءهم على النصوص التأسيسية ، استنبطوا الأحكام من القران المجيد . 
في ظني ـــ هكذا أزعم ــــ ان مثل اراء هذا العالم تحتاج في نظرنا الى مراجعة وتقليب وفحص وتعريه وكشف وفضح . لان مثل هذه الأراء التي يدلي بها بعض علماءنا الكبار تترتب عليها نتائج مهمة ، وربما خطيرة على مستقبل الأمة ، وخاصة اذا فهمهما 
..[ الدهماء].. من الامة خطأ . لانه في مثل هذه الحالات يتداخل الوعى الفردي والوعي الجماعي . لان هذا العالم لم يفرق بين الايمان القويم والسلوك القويم . لان العالم في المجتمع العربي والاسلامي مقدس ، لظن الكثير من الناس انه مؤسس على الفقه ، ولكن يغفل اؤلئك ان ذلك الفقه ربما يكون فقه السلطة . 
ولا يعرف كيف غفل او تغافل او تغابي هذا العالم ان النص الايماني يحتوى على تشريع منظم وكامل في الفكر الاجتماعي والديني . فربما مثل هذا الرآى الذي ادلى به صاحبنا هذا العالم يدفع بعض الشباب بنزعة شيطانية اكثر من النزوع الاخلاقي . فتتحول سلطة الرأى الجاهلي الى جريمة تقع بالمجتمع . فعندما يقتنع بعض الشباب ببعض فتاوى علمائهم ، فيسعون الى تحقيقها وتطبيقها على الواقع ، وهذا ما رفع سقف الإرهاب في المجتمع . فهل القضية هي أن نقول .. لا .. أو نعم .. للفكر الآخر ؟.
لا .. طبعاً .. لكن كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المؤسف ؟. ولا بد أن نصغي باهتمام كبير لأي صوت مرتفع أو منخفض يلعلع في المجتمع . حتى لا يروى ذلك الصوت غيره من الأصوات المتشنجة . ولا بد أن نسأل : ماذا حدث ؟. وهذا الصوت المنخفض يدل على ان هناك شئ ما خطأ ضد طبائع الأمور ، وضد الطبيعة الإنسانية فرفضته فارتفع ذلك الصوت الهامس . حتى لا يستقيظ المجتمع بعده على .. عنف .. جديد أن إهمال أي صوت يدل على أن المقدمات غير متسقة مع النتائج . 
نعم : لا بد أن يبرر كل صوت وجوده ، وارتفاع الصوت يعنى الشكوى وطلب التغير ، والثوابت لا تتغير في قيمنا ومبادئنا الاسلامية. ويجب أن لا تكون هناك معركة أو قضية معلقة . ومن الصعب أن ينتقل الإنسان فجاءة من اليأس إلى الرجاء . وأظن انه ليس المهم أن يتارجح البندول إنما المهم أن نحاول دفعة إلى الحركة الدائمة . وقد يكون الفكر وحشاً صنعة المفكر ، فعلى المفكر أن لا يتصور انه يصنع وحشاً يهدد الخصوم به ولا ينقض عليه في يوم من الأيام . فقد يكون الفكر للمقاومة . ويكون ما حدث له الكثير من خطأ في تفسير الحوادث . وليس من الغرابة أن يضع العنف الفكري .. الألغام .. في طريق المستقبل ، وتكون .. ألغام .. ليس لها حدود . وقد يضع الفكر العنيف تلك ..الألغام .. على خطوط حدوده لحماية نفسه من خصومة ، فيسهو ويضع قدمه على .. لغم .. يؤدي بحياته ، وما أكثر الذين أودى العنف الفكري بحياتهم . انه الشد والجذب بين .. [ تشاؤم العقل ] .. و .. [ تفاؤل العزيمة ].. كما قال : ( انطونيو جراشى )..

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk



ليست هناك تعليقات: