الحيوان الخليجي

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

جاءتني هذه الرسالة من احد القراء عبر الجوال تقول الرسالة : (( الا يسترعي انتباهك يا دكتور زهير ان لدينا في منطقة الخليج مهرجانات للحيوان والنباتات 
( مزاين الابل ) ، ومسابقات الزيتون والتمر ومسابقات لأجمل ماعز ، ولا يوجد لدينا مهرجانات للإنسان في دول يفترض ان تهتم بالإنسان بدلا من الحيوان ، ما تفسير ذلك عندك )).
وبعد نشر مقالي .. [ بحبك يا حمار ].. والمنشور بجريدة السياسية الكويتية بعددها( 14080) جاءتني ايضا هذه الرسالة التي تقول (( انا شايف انك نسيت اغنية البرتقالة ( ..... ) بعدين الله يديم عليكم عز (...... ) اللي يلعن ويكتم انفاس الفنانين يلي مو راضي عليهم ، ويا حباب عم تحكي عن الحمار بتعرف اذا حطوك جنب الحمار وسألوني مين بتحب اكثر حيكون الجواب ببساطة الحمار طبعا بتعرف ليش لانه 
( حضرتك بتقبض لتشتغل اما الحمار بيشتغل حتى يقبض ) شايف قديش في فرق )).
اود ان اقول انني لا استحى ، ولا اخجل من نشر آية رسالة تصلني كتعقيب على مقالاتي ، وان انتقدتني او نالت مني ، ولكن ارفض نشر بعضها التي لا تليق ، ولا تحترم مختلف اللياقات خاصة التي تذكر فيها اسماء . واذكر ان نشر رسائل قرائي هي حق من حقوقهم . فالقارئ او المتلقي هو الزاد الذي نقتات منه .
وبالنسبة للحيوانات ، وبالذات الحمار ، والأبل ، والتيوس والغنم والابقار والخيول ، سبق وان كتبت عنها في مقالات متعددة بجريدة الندوة . فاصبحت هذه الحيوانات مشهورة في منطقة الخليج العربي مثل شهرة نجوم السينما والمسرح والفن وكرة القدم . واصبحت تقام لهم مسابقات وتقدم لهم جوائز مالية ضخمة . الإنسان لم تعط له كل تلك المزايا . واعتقد انه لو انفقت تلك الاموال على الفقراء والضعفاء والمساكين لكسب اصحابها الاجر من عند الله ولكن عمي البصيرة ، والعياذ بالله .
المهم ان الحيوانات الخليجية اصبحت تبرز في المشهد السياسي ، وتكون من ضمن برامج زيارة اكبر زعماء ورؤساء دول العالم . نعم اصبح الرؤساء يزون حظائر الحيوانات والبهائم ومزارعهم ، ولا يزرون معالم البلد الحضارية من مصانع وجامعات ومؤسسات ثقافية ومعالم تاريخية . لقد أصبحت الحيوانات هي .. [ رمز الحضارة ].. و .. [ رمز للاوطان ].. والحيوان الذي يحبه الحاكم ، هو الحيوان المحبب للشعب وحتى لو كانت الافاعى . 
وانا شخصياً لم استغرب كل هذا الاهتمام الكبير بالحيوانات . فلله الحمد ان تاريخنا العربي ممتلئ بمثل هذه الاهتمامات فلقد تصدرت الحيوانات كبرى القصائد الشعرية العربية المشهورة ومنها ما قاله ذلك الشاعر العراقي على بن الجهم للحاكم المتوكل العباسي :
انت كالكلب في حفاظك للـــــــــــود
وكالتــــيس في قــــــراع الخطــــــــــــوب
انت كالدلو ، لا عـــــــند منـــــــــــــــــاك
دلوا من كبار الدلا كثير الذنوب
ثم أبعده الخليفة المتوكل ليأتي له بعد شهور فيقول قصيدته الشهيرة التي تقول : 
عيون المهـا بـــــين الرصافـــــــة والجسر جلبن الهوى من حيث ادري ولا أدري 
هذه القصيدة وغيرها ، وهذا الوضع الحالي ذكرتني كيف تهان البشر ويهتم بالحيوانات . 
وأقول للإخوان أصحاب الرسائل ان الحيوانات التي تستحقرونها كانت الاسباب الرئيسة في نشوب حروب طويلة المدى بين القبائل العربية مثل : ناقة كليب التي قتلها جساس وبسببها نشيت حرب دامت اكثر من اربعين عام سميت حرب البسوس ، ثم كانت حرب داحس والغبراء وهما خيول . أمور تافهة وصغيرة ، وعقول حكام صغيرة وتاريخ وسخ وقذر . يستحي الإنسان ان يذكره او يتذكره . 
وفي العصر الحديث استخدمت الدول الغربية الحضارية الحيوانات في مقدمة الجيوش التي غزت بها بعض الدول العربية مثل العراق ، حين استخدمت .. [ الكلاب ].. لتفجير الالغام الارضية قبل دخول الجيوش الغازية . والتي عاملت الشعوب على أنها حيوانات . 
وازعم ــ هكذا أظن ــ ان اسباب اهتمام الحكام العرب بالحيوانات يرجع بسبب 
.. [ الرفاهية ].. و .. [ الغنى الفاحش ].. و .. [ توفر الوقت ].. عند بعض الحكام العرب . وربما هناك اسباب نفسية واجتماعية لا نعرفها كشعوب . ومنها .. [ الصنعة السياسية ].. التي تعشق الإغراق في الملذات المختلفة . والتي تدفع بالحكام لاعتماد المبالغ الكبيرة لاقامة المهرجانات والمسابقات ووضع الجوائز المالية والمعنوية الضخمة ، والمبالغ فيها في كثير من الأحايين . كل ذلك من أجل الوفاء بمتطلبات واحتياجات الحيوانات .
أما الإنسان .. [ المسكين ].. فيأكل .. [ تبن ].. ويشرب .. [ طين ].. ، ويموت من 
..[ المرض ]... بل حتي .. [ المثقف الخليجي ].. المسكين والمضطهد لم يأخذ حقه من الاهتمام ، والتقدير الذي تجده الحيوانات في منطقتنا الخليجية . وياحظ البهائم بهذه الرعاية المميزة والكبيرة . 
فما أكثر المثقفين الخليجيين الذين ماتوا فقراء ، وما أكثر المثقفين الخليجين الذي يعانون من الامراض ولا تعالجهم دولهم . بل يذهبون لمستشفيات أقل من عادية ، انهم يعانون من المرض ولا يتعالجون بسبب .. [ قلة المال ]..،. واذا تعالج احد المثقفين فيكون ذلك عبر التسول لدي احد رجال الاعمال من اصدقائه ، ان عرف منهم احداً . هذه بعض الصعوبات التي يعانيها المثقف الخليجي المسكين والمغلوب على امره .
ان الجدل الذي نسمعه بين شعوب المنطقة حول الاهتمام بالحيوانات بالمنطقة اكثر من الإنسان ، والذي اثار الكثير من .. [ القرف ]..، و .. [ الاستمزاز ].. و .. [ الألم ].. و.. [ الوجع ].. غاب بقصد عنه حقيقة ان .. [ الحيوان ] .. كان موضوعاً رئيساً في مشهد الحكم العربي منذ ازل التاريخ . فهذا الاهتمام الكبير بالحيوانات أنما نابع من..[التراث العربي ].. و.. [ التقاليد والعادات ].. العربية التي احترمت الحيوان اكثر من الإنسان .
فتحرى الحقيقة في مثل هذه القضايا يوجبه التاريخ والدقة والمعرفة والأسباب .فعلى من يشك في كلامي فعليه ان يعود لقراءة بعض كتبنا التاريخية .
كما أحب ان ابين انه لم يغب الأمل عن شعوب الخليج في العودة لاهتمامها بالحيوانات ، واسترجاع قيمتها ، معتقدين بإمكانية عودة الحيوان والإنسان ليسكنوا في مكان واحد . واعني .. [ حظيرة واحدة ].. يجمعهم .. [ البرسيم ].. وليس الخبز و الملح كما كان يقال . 

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611 
Faranbakka@yahoo.co.uk 


ليست هناك تعليقات: