الدولة الإسلامية الثقافية

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي
 
يؤسفني أن أقول أن.. [ الثقافة ] .. كأحد أهم المفاصل الرئيسة في بناء الدولة وهياكلها ،لم تظهر آيا كان نوعها ومستواها ومجالها، وخاصة السياسي منها ، إلا 
.. [ خادمة ] .. لا قوى مفاصل السياسة الفاعلة والمؤثرة في اروقتها . واستخدم .. [ المثقف السلطوي ] .. للقيام بمناورات سياسية دفاعاً عن الصالون السياسي الذي يأكل ويقتات منه . فيبدأ ذلك المثقف الخجول بفعل تمزيق العلاقة بين السلطة والمثقف الحر والمستقل عبر الوشاية والإيقاع به بواسطة كتابة التقارير الأمنية. 
و يؤسفني من جديد أن أقول انه على رغم مرور خمسة عشرة قرنا على قيام الدولة الإسلامية منذ بداية الدعوة وحتى الآن لم تقام ..(([ دولة إسلامية ثقافية ])).. في هدفها، فلقد تم محاربة .. [ المثقف المصلح ] .. منذ تأسيس الدولة الأموية وحتى الآن . فادخل السجون وعذب ونفى، وقتل ومثل به . هذا يعني ان كل حياة المثقف العربي المسلم أكراه في أكراه ، وحرب في حرب . ونكد في نكد . 
نعم قامت الدولة الإسلامية على مبادئ وقيم دينية بأهداف سلطوية تسعى لبقائها أطول مدة في الإمساك بالحكم والتاريخ . وبعضها جعل .. الجهاد .. كشعار لها وكأن الإسلام ليس فيه إلا.. الجهاد .. ،. في حين أن للجهاد ثقافة عظيمة تدعو لفضائل الأخلاق . وهذا التفكير هو ما خلق ايديولوجيه للجهاد شكلتها حركة طالبان ، والقاعدة في أفغانستان وغيرها. في حين ان أهم أهداف نشر الدين الإسلامي العظيم هو .. [ نشر الثقافة والفكر الإسلامي ] .. بعيداً عن معطيات العنف . فأكره الرعايا ومنهم المثقفون على تغير مواقفهم ومبادئهم وأفكارهم ، وإلا فتعلن الحرب عليهم كما وقع في أحداث قضية خلق القران الكريم وغيرها . وأعجبني مقطع ضمن إحدى مقالات مجلة وجهات نظر المصرية هذا المقطع المضغوط جداً ، ربما يوضح شيء من أخلاق .. [ الدولة الثقافية الإسلامية ] .. التى ادعو لها، فقد جسده سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه باخلاق وقيم الدولة الإسلامية. فعلم الجميع ان .. السماحة .. أهم مقومات الدولة الإسلامية . يقول : (( فلما استجاب عمر بن الخطاب لرغبة أهل ايلياء ، ودخل القدس ، وكتب كتاب الصلح المعروف ، اقبل الى الأتربة والأوساخ المتراكمة فوق الصخرة ، يزيحها بردائه ، فأقبل من حوله من المسلمين وغيرهم يسابقونه إلى ذلك .. ثم اتجه الى حيث القمامة المتراكمة بفعل اليهود وبوحى من الرومان فوق مكان كنيسة القيامة ، فباشر إزاحة القمامة عنها بنفسه ، وما هو إلا أن أقبل كل من كانوا حوله يسابقونه على العمل ذاته )). يا سلام على هذا الخليفة الإسلامي العظيم ، الذي رسخ كل مبادئ وقيم ثقافة الفضيلة الإسلامية النابعة من الثقافة الإسلامية . 
فمتى تقوم الدولة الثقافية العربية الإسلامية التي تقوم على مبادئ وقيم وأخلاق دينية ، وأهداف ثقافية ، بعيدة عن العنف . بنفس مبادئ وقيم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وتبني استراتيجتها على احترام .. [ المثقف المصلح ] .. ، وتقدير الرأي الأخر ، نريد الدولة التى تحترم المثقف الذي ينصح السلطان والخليفة دون خوف او رعب منه . نريد مثقف مثل الصحابي الجليل سيدنا حذيفة بن اليمان حين قال للخليفة سيدنا عمر نقومك بهذا يا عمر .. ويقصد السيف ؟. الخليفة عمر لم يسجنه ولم يحيله إلى المحكمة الشرعية ، ولم يقتله . بل فرح به وبرده . و نريد تميز أصحاب العقول . بحسن أخلاقي مميز . حتى تكون الدولة المقترحة على مستوى إنسانية الإنسان ، القادر على تحمل الأمانة التي كلفه الله بها . حين قال تعالى : ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) سورة الأحزاب72 . فعندما قبل الإنسان هذه المسؤولية فعليه أن يتحمل كل تبعات تلك الأمانة والمسؤولية . ومن أخلاق وشروط الأمانة أن لا ينافق ولا يكذب .. [ المثقف المصلح ] .. من أجل الوطن . 
نريد ان تسمى الأشياء بأسمائها ، لنعرف مواقف بعضنا البعض ، فكل مثقف حر مستقل يتحمل مسؤولية ما يكتبه ويقوله ويفعله طالما أن الكتابة موقف وفعل . أمام الله ثم الوطن ، ثم السلطان ، ثم الأمة ، وقبلها أمام الضمير . 
المثقف المتواطيء مع أعداء الوطن ، المثقف القامع للحقيقة ، هو ذلك الفرد الذي يبرر لأعداء الوطن .. (([ قمع الحقيقة الوطنية ] )).. هو ذلك المثقف المتعالي على ابناء وطنه ، هو الخادع لنفسه ولمن يحيط به ، هو نفسه الذي يتهم أبناء جلدته بالرعاع وأنه شيخ النخبة . انه الذي لا تنطبق عليه مسؤولية الامانة التى تحملها . في حين ان الوطن في حاجة الى .. (( المصالحة )).. و .. (( المصافحة )) .. والمثقف الذي يرفض ذلك المبدأ هو مثقف بلا .. [ حياء ] .. و .. [ بلا خجل ] .. لان ثقافته بلا خجل ، وهو غير خجول مما يقول ويكتب عن وطنه الذي رفع اسمه عالياً . 
لا بد أن تقوم .. [ المصافحة ] .. بين الحاكم والمحكوم . و .. [ المصالحة الوطنية ] .. ينبغي أن تكون وارده في أي لحظة قبل ان تخلقها الطائرات و الدبابات والقنابل والرشاشات والعسكر . كما ينبغي إن تتغير الموسيقي .. [ الأغنية ] .. من معارضة وتمرد وثورة إلى .. [ ولاء وعشق ] .. للوطن . لا بد ان يعرف المثقف الوطني ان .. [ غناء ] .. المعارضة وراءه .. (( قراصنة السياسة )).. ، وحاقدي الوطن . ويغفل أولئك الحاقدين على أوطانهم أن ذلك 
.. [ الغناء ] .. نفسه سوف يغني على حوافي قبورهم الجماعية . حين يتجه الغازي للتخلص منهم بعدما أخذ منهم كل معلومة ومصلحة يريدها ، وتخدم أهدافه الاحتلالية والاستعمارية . نعم سيقوم ذلك المحتل الغازي بتكسير عظامكم وجماجمكم ، ويخلع عيونكم التي تربص بها و عبرها لانتهاك كرامة وطنكم .
ويل لأمة ترحب بغازيها ، ثم الويل ، ثم الويل لها حين تفعل ذلك بغباء سياسي حاد . تلك المجموعة هي التي غنت لكل الأحداث الحزينة والمفرحة . وهذا .. [ الإعلام الخسيس ] .. يبرز ذلك حسب الطلب . وهذا هو في تقديري .. [ غباء أخلاقي ] .. تقع فيه بعض الوسائل الإعلامية . المستأجرة ، أو المدفوعة القيمة ومسخرة الهدف ، والتي تعتقد ان 
.. [ الإثارة الإعلامية ] .. و .. [ الكذب على الشعوب ] ..،. هي مجد وطني ، في حين أنها تجسد
 .. [ الخيانة الوطنية ] .. إن الثقافة غير الخجولة التي يصنعها المثقف غير الخجول ، هي تلك التي تعبر بوضوح عن كل .. [ مواقف النفاق والرياء ] .. السياسي والعسكري و الاجتماعي . لان ذلك المثقف لم يستطع في مرحلة ما أن يتعامل مع .. [ حالة الصدق ] .. فيتجه إلى سلوكيات التلاعب بأخلاق الوطن والمواطن ، أنهم .. [ خونة الوطن وأعوان الاستعمار الجديد ] .. ،. ويبرر ذلك المثقف الخائن الخائف من شىء ما كل ممارسات السلطة . وعندما يتعرى ذلك المثقف غير الخجول يبدأ بحالة الادعاءات الكاذبة . لقد فقد 
.. [ مصداقيته ] .. ، وفقد ..[ قيمته الإنسانية والوطنية ] .. بل في تقديري أنه .. (([ فقد أدميته ] )).. انه كان متعرى أمام نفسه ، غير خيانته عرته أمام الملايين من البشر . إن الثقافة التي لا تحمل .. [ الخجل ] .. من الوطن والمواطن ، إنها تذوب كذوبان الملح في الماء . ولا ترسخ في ذهنية التاريخ وحركته . 
والسؤال المشروع الذي يطرحه عادة المتلقى أمام ذلك المثقف غير الخجول . 
هو : لماذا وصل ذلك المثقف لهذه الدرجة من التردي والانحطاط ؟ فيأتي الجواب الحضاري على هذا التساؤل المشروع وهو : أن ذلك .. المثقف .. لا يملك رصيداً من المبادئ أو الثوابت أو القيم أو الأخلاق . فأصبحت ثقافته بلا خجل ، فهي إذن ثقافة غير نطيفة ، ومتسخة بالخيانات والتراجعات بل أنها متسخة بأوهام القوة ، وهشاشة المال والقران العظيم حين يذكر فيصفها بالقوة والحق هو القوة ذاتها . وحين يذكر المال فيذكر معه قوله تعالى أنه بغي ، وان المال عدوا للإنسان . وهكذا هي الثقافة التي بلا خجل إنها تصبح عدواً للإنسان . وهكذا هي الثقافة التي بلا خجل إنها تصبح عدواً والحقيقة والمجتمع والأمة . فالويل ، ثم الويل ، لأمة ترحب بغازيها . فالغازي المحتل ليس له أخلاق ، بقدر ما يحمل في غزوه كل الأهداف الاستعمارية والإحتلالية ، والتي تبرز كل شيء وحتى فض بكارة العذراء فالويل ، ثم الويل لأمة ترحب بغازيها . فمتى تقوم الدولة الإسلامية الثقافية ؟!.

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk




ليست هناك تعليقات: