الحق في نقد السلطة

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

لا يوجد في الفقة الإسلامي السياسي او الاجتماعي او القانوني وقانون او أمر او توجيه او نظام أو نص صريح بالحق للحاكم او السلطة يقضى بسجن صاحب الرأي او الفكر ، او منعه من ابداء رأيه ، ومنعه من الرأي يتناقض مع طبيعة الإسلام التي تدعو لاحترام الرأي والرأي الآخر.  
يتضمن الدستور الإسلامي الرفيع المستوى الحق في ممارسة حرية الرأي ويتضمن كذلك نصوص في حرية المجادلة والمحاورة ليشمل الحق في محاورة ومناقشة الراعي او الحاكم . 
لقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه المسألة المهمة : (( أخوف ما أخاف عليكم اعجاب المرء برأيه )). هكذا كان عمر بن الخطاب حاكم مثقف واسع التفكير لا ينظر للأمور من جانب واحد. وكثرت مشاورته للكبار والصغار والرجال والنساء ، قناعة منه ان جوانب الاراء تتعدد . وان هذه من طبائع الحاكم العادل اليقظ والطموح . 
ان الخليفة المثقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يسجن ذلك الاعرابي الذي قال لعمر بعد ان سأل عمر الناس ان له عليهم حق الطاعة فيما أمر الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وان لهم عليه حق النصيحة ولو آذوه فيها فقال له أحدهم ومن رعيته ..(( والله لو علمنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا )).. فحمد الله عمر ان جعل في المسلمين من يقوم اعوجاج عمر بسيفه . 
لم يأمر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إحدى أجهزته الأمنية العسكرية او الاستخباراتيه او أحد حراسه بالقاء القبض على ذلك الرجل الذي وقف أمامه وقال له رأيه فيما قال عمر ، فلم يعذبه ولم يستجوبوه ولم يحقق معه ولم يعذبه معنوياً ولاجسدياً . ولو تكرر التاريخ ووقف ذلك الرجل امام احد الحكام العرب الحالين اليوم .. وقال لحاكمه ما قاله ذلك الرجل لعمر ، لانطلقت مئات الرصاص من الرشاشات والمسدسات من حراس الحاكم. وقتل شر قتله . 
هذا الخليفة المثقف الواعي لم يمنع أي مسلم او مسلمة ا ن يقول رأيه في أي قضية تخصه او تهم الأمة ولعل موقفه القيادي النبيل الشامخ التاريخي من المرأة التي ناقشت الخليفة في موضوع المهور حتى اقتنع عمر بن الخطاب برأيها واطلق مقولته المشهورة : (( اصابت امراة واخطأ عمر )).
هذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيه ابن مسعود رضي الله عنه : (( كان عمر اعلمنا بكتاب الله ، وافقهنا في دين الله )) يعترف بشجاعة انه اخطأ وأصابت المرأة . هذه الحادثة العمرية تؤكد الحق الكامل في نقد الشخصيات العامة والمسؤولة وخاصة القيادات . 
ولم أجد في الفقه الإسلامي وكل احكامه او مفرداته ، أي نص يعطى الحاكم او السلطة منع الرعية من ابداء الرأي ، ولكن وقفت على الحادثة التى وقفت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والشاعر المثقف .. الحطئية .. ، فلقد غضب سيدنا عمر على الشاعر الحطئية لكثرة هجائه الناس ، ونهاه الخليفة ان يهجو احدا من المسلمين . فخضع الحطئية لامر عمر وقال له : (( اذن أموت ويموت عيالي من الجوع )) فأنذره ليقطعن لسانه !. وفي رواية اخرى هدده بنفيه من المدينة المنورة ، ثم عطف عليه فساومه على ترك الهجاء بثلاثة الاف درهم ، فسلم الناس من لسانه . 
هذا الموقف يمكن لنا ان نستنبط منه احقيه الحاكم معاقبة المثقف اذا تجاوز حدود معينه ، والعقوبة متروكة للحاكم حيث لاحظنا ان عمر بن الخطاب اجتهد في معاقبة الحطئية بقطع لسانه اذا تجاوز الحدود . لان الحطئية اتجه الى قذف الناس في اعراضهم وانسابهم وكرامتهم . ويتحدث عن أخلاق وصفات الناس . وهذا ما أغضب سيدنا عمر . فلم يغضب عمر من الحطئية لو هجا وانتقد السلطان والسلطة . 
المهم من هذا كله اريد ان اقول : ان الفقه الإسلامي لم يمنع توجيه النقد للحاكم والقيادات والشخصيات المسؤولة في السلطة . لان المنفعة العامة للأمة تقتضى كشف الحقائق وتوضيح بواطن الضعف والنواقض فيهم . وهذا النقد لا يكون الا بمتابعتهم ومراقبة اعمالهم وسلوكياتهم الوظيفية. فالنقد الذي يكتبه المثقف أي كان نوعه وموجه للسلطة بمختلف درجاتها وتخصصاتها يساعد على مراجعة النواقض وسد التغرات وتحسين السلوك الشين لتقويمه . وهذا النقد مؤشر على يقظة الأمة وسلامة تفكيرها . ولكن لا يجوز ان يحمل النقد بين طياته القذف او القاء التهم الباطلة او الشتم والسباب وتقبيح الأعمال بغير وجه حق فهذا امر باطل لا نقره . 
ان اهمال النقد يعني اهمال وتراكم الأخطاء والصغيرة لتكبر وتنمو لتصبح في درجة الرذائل الفاحشة . فيعلو صوت .. [ الفساد ].. وينمو .. [ المفسدين ] ..،. في الدولة . والنقد الواعي هو الذي يساعد السلطة على مساءلة واستجواب المخطئ من المسؤولين بالدولة وأصحاب القرار، مهما بلغ حجمه ووزنه وقيمته الاجتماعية والسياسية والوظيفية. ولا يجوز القيام بالنقد من أجل ارضاء فئة او نخبة او حزب او مجموعة . كما انه لا يجوز للناقد ان يعمل على تجهيل الآخرين ووصفهم بقصر النظر او البعد عن الفطنة . 
ومن حق السلطة ان تطلب ان يلتزم المثقف والكاتب والناقد بالموضوعية واساس المنطق بعيداً عن الشدة في القول ومن قوارص الكلم او الرغبة في التشهير بشخص ما اوجهة بذاتها ، وايضا يطلب القارئ الناقد ان يبتعد عن المبالغة في النقد . ولا نعنى ان يكون النقد للسلطة بمقاييس صارمة ، ولكن يجب ان يكون النقد ضمن سلوكيات المجتمع بعيداً عن المغالاة والشطط معتمدا على التثبت من صحة ما يكتب والتحري عن الحقائق وتوخى المنفعة العامة والبعد عن الانتقام والاضرار . ولا بد ان نفترض حسن النية في كل الأعمال . 
ويرفض المثقف ان يكون النقد على شكل استجداء سياسي او اجتماعي او اقتصادي ، ويرفض المثقف التشدد والتطرف في نقد الخصوم السياسين والفكرين . 
وتظل السلطة تصر على منع النقد او أبداء الرأي ، وتريد المثقف ان يمشى على الزجاج المطحون ، وتهديه دواء لتحنيط أرائه بملوحةمياه البحار ، حتى يعيش غربة الموتي وفي مسكنه. لا بد ان يمارس .. النقد .. للسلطة والسلطان ، فهذا حق مكفول في الشرع الاسلامي . ومنع النقد يعني شيء واحد للأمة هو ان الحاكم يريد .. الفساد .. ويحب المفسدين . 

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض ، ويوم العرض ، وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk



ليست هناك تعليقات: