البهائم والنقد السياسي

  بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي

البهائم ، او الحيوانات ، او الإنعام ، ارتبطت مباشرة بالنقد السياسي الإصلاحي ، أثناء ممارسة .. [ الكتابة السياسية النقدية الإصلاحية ]..،. في كثير من الفترات السياسية التاريخية . 
ويكاد يجمع جمهور المؤرخين على أن ( ايزوب ) او ( ايزوبس ) ، وهو حكيم يوناني ، وقيل انه وزير نبي الله سليمان عليه السلام . هو أول من ابتكر فن .. [ استخدام الحيوانات ].. في الكتابة النقدية السياسية الإصلاحية . وأنا أميل لهذا الرأي ، لان سيدنا سليمان تعامل مع الحيوانات أثناء ممارسة الحكم . ولعل قصته مع الهدهد خير دليل . 
وأصبحت الكتابة باستخدام البهائم ..(( منهج فني )).. في الكتابة النقدية السياسية الإصلاحية . وعادة ما يلجأ الكتاب والأدباء والشعراء إلى استنطاق البهائم أثناء الكتابة . للتعبير عما يريد من أفكار وأراء . وعندما يفقد الكاتب حرية الكلام والتعبير عن الرأي . فأنه يتغلغل في التعامل مع الرمز الحيواني . فيتجه إلى الإسقاطات . 
ويعود استخدام الكتاب الإصلاحيين إلى التعامل مع هذا المنهج الفني الكتابي لكشف وتعرية الظلم والظلمة ، والبطش والطغيان ، وأيضا تعرية وفضح الفساد والمفسدين . 
وخوفاً من جبروت وطغيان وبطش الحاكم ، أو السلطة ورجالها والأجهزة الأمنية ، وخاصة جهاز البوليس السياسي ، فيميل الكاتب إلى التعامل مع الرمز والتورية والمجاز والتشبيه ، وصيغ المبني للمجهول . فبعضها يستخدم الحيوان في النقد وكأنه يجسد فعلا شخصية المسؤول المنقود كما فعل المثقف الكاتب السعودي عبدالله السعد ، ويعتبر العصر السياسي الأول أفضل العصور العربية لاستخدام هذا النوع من الكتابة . 
ويعد عبدالله بن المقفع ، والذي قتله المنصور بسبب هذا النوع من الكتابة النقدية . هو أول من وضع كتاب في هذا الفن الإبداعي في اللغة العربية . وهو كتاب كليلة ودمنة ، وهو كتاب مترجم من اللغة الهندية ، اسمه ( ينج تنترا ) وضعه باللغة السنسكر يتية الفيلسوف الهندي الكبير ( بيديا ) قدمه للملك الهندي ( دبلشيم ) . 
ومن المعروف أن كليلة ودمنه هما تعلبين شقيقين يعدان أبطال كتاب ابن المقفع الشهير والذي يعد أشهر كتاب في هذا الفن . ثم يأتي بعده كتاب / السند هند . 
المهم أن منهج استخدام أو استنطاق البهائم او الحيوانات أثناء الكتابة النقدية السياسة الإصلاحية بين الراعي والرعية أو الحاكم والمحكوم. قد نجح في تحقيق الكثير من عمليات الإصلاح السياسي والاجتماعي وغيرهما . 
صحيح ان ابن المقفع دفع الثمن غالياً وكبير ، ولكن ظل هذا المنهج الفني الكتابي ، هو المخرج الهندسي الوحيد للتعبير عن تفشي الظلم ، والقهر والفساد والمفاسدين . 
والكتابة الرمزية باستخدام البهائم نجحت بشكل كبير وخدمت الرعية لا يصال نقدها وشرح مظالمها. وبعض الحكام استطاع قبول تلك الكتابات النقدية السياسية الإصلاحية واستفاد منها ، واستطاع فهمهما وأدرك مغزها واستوعبها . والبعض من اؤلئك الحكام لم يستطع فهمهما ، ولم يهضمها ، ولم يستطع التعامل معها . بل قام بمعاقبة ومطاردة واضطهاد الكتاب الذين مارسوا هذا النوع من الكتابة النقدية للحاكم وسلطته ورجاله . وكما قلت ان التاريخ العربي الاسلامي حافل وملئ بأسماء الكتاب والمثقفين والشعراء الذين قتلوا وعذبوا وسجنوا واضطهدوا بسبب الكتابة السياسية النقدية الإصلاحية ، وعلى رأسهم المثقف عبدالله بن المقفع . وقد سبق لي ان نشرت بعض تلك الأسماء في مقالي / قتل واضطهاد المثقف ، المنشور بجريدة السياسة الكويتية ، بعددها (13849) .
وفي العصر الحديث برزت الكثير من مثل هذه المحاولات الجادة المشهورة مثلما فعل بعض الكتاب والأدباء المصريين مثل حمار توفيق الحكيم ، وفي السعودية قامت بعض المحاولات الجادة مثل الكتاب الشهير / رموز علي اللوحة ، لمؤلفة عبدالله السعد ــ رحمه الله ــ والذي عوقب عقوبات شديدة أهمها إعفائه من منصبه الوزاري ومعاقبة الموظف الذي أجاز طباعة الكتاب . وكذلك كتاب حمزة شحاته ــ رحمه الله ــ الكاتب السعودي الشهير / حمار شحاته . ولي شخصياً محاولات متعددة منها كتابي / فئران الحياة ، وأنا وحماري وغيرها من مقالاتي . 
واستخدام البهائم كأداة للتعبير عن الحريات المختلفة لم يتطور في الأدب العربي ، رغم أن الساحة الآن أفضل من أي مرحلة مضت . وان اختلفت الأساليب ، ففي مصر استغل المسرح والمنتج السينمائي لممارسة هذا النوع من الكتابة النقدية السياسية الإصلاحية .
وازعم ـــ هكذا اعتقد ـــ أن مصر والكويت ولبنان أفضل الدول العربية في السماح بممارسة الكتابة النقدية السياسية الإصلاحية ، وهذا نلمسه في ممارسة الصحافة ، والمنتج الأدبي وهذا الهامش من الحرية الفكرية والصحافية والكلامية تعد ميزة في سجل الحاكم أو السلطة التي تسمح بتلك الممارسات . وتدل على ما يتمتع به من وعي سياسي . 
أريد أن أقول هل يفهمنا هؤلاء الحكام حقاً عندما نستنطق البهائم ونسقط تهمنا الكبيرة والصغيرة والقبيحة عليها ؟.
وان فهمنا اؤلئك الحكام عندما نمارس الكتابة النقدية السياسية ، فلماذا يحولون بعض الكتاب والمثقفين إلى أعداء لهم حسب لغتهم وتوصيفاتهم ؟. أليست هذا كراهية مبيته للكتابة النقدية السياسية الإصلاحية ؟. 
والسؤال الذي بات بنداً أساسا وثابتاً على أجندة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، هو هل تعالج ــ الآن ــ الكتابة النقدية السياسية الإصلاحية .الرواية والهم والوجع الشعبي ؟. معالجة سلطوية ام شعبية !. فإن كانت معالجة سلطوية فيبدو لي انها تتسم بالسذاجة السياسية السلطوية . وان كانت شعبية فانها قد تفرض ضغوطات شعبية من طبائع الشعب ، والتي عادة ما تجسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم . 
وسؤالي المشروع والأخير هو : هل نحن معشر الكتاب والمثقفين في حاجة ماسة إلى 
.. [ البهائم ].. لكي نستطيع أن نعبر عن هموم وأوجاع ومنغصات الشعب . وأيضا نستطيع أن نشكف ونعرى ونفضح الظلم والاضطهاد والفساد والمفسدين ؟. سؤال اطرحه للتساؤل لعلى أجد من يساعدني على تكوين الأجوبة الملائمة . والتي سيكون من بين أجرائها أن تقودنا الإجابة إلى الحقيقة المطلقة وهى أن الكاتب المصلح ، لا يموت وان قتل جسدياً . وخير دليل هو بقاء ذكر واسم عبدالله بن المقفع خالداً حتى الآن .
كما تقضى قواعد الكتابة النقدية السياسية إلى تكوين أشياء وأخلاق وقيم قياسية من الضوابط والشروط والقيم والأخلاق البهائمية . حتى يرتقي النص ، وتتضح الرؤية . 
بقى أن أقول أن الفساد والسلطوي لا ينتعش وينمو ويزدهر إلا إذا التقى بفساد المثقف . إذ يصعب تسويق فساد الحاكم إلا عبر فساد المثقف والمفكر . وحين يوجد حاكم فاسد ، فبالتأكيد يوجد مثقف فاسد وصامت . لهذا غابت .. [ البهائم ].. ودورها في الكتابة النقدية السياسية الإصلاحية . 
فهل تعود ..(([ البهائم ])).. إلى الساحة الفكرية والصحافية والثقافية وتفرض دورها وقيمتها على الراعي والرعية فتخرج لنا كتابات وكتب مثل كتاب كليلة ودمنه أو كتاب رموز على اللوحة !.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض ، ويوم العرض ، وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: