أهمية جائزة الباشراحيل
قرأت ما كتبه أخي سعادة الأستاذ الدكتور مصطفى عبدالواحد من مقالات متسلسلة نشرت بجريدة الندوة بأعدادها: (13852 و 13851 و 13850) وتاريخ السبت والأحد والاثنين: 26 و 27 و 28 ربيع الأول 1425هـ. وبالصفحة (5). وتحت عنوان/ جائزة لأدونيس.
في المقدمة وقبل مناقشة الكاتب. أود أن أسجل إعجابي وسروري الكبير, وفرحتي المعنوية والفكرية والثقافية بإنشاء وإحداث جائزة فكرية وثقافية, منبعها مكة المكرمة. وباسم رجل صالح وفاضل خدم مكة المكرمة في مجالات عدة أهمها في تقديري (بناء مستشفى). وتميزت شخصية الشيخ محمد صالح باشراحيل – عتق الله رقبته من النار – بالحياء العام, والهدوء والحكمة والخجل. وكذلك حبه لفعل الخير والإحسان للضعفاء والفقراء. المهم أنا سعيد جداً بإنشاء هذه الجائزة الفكرية والثقافية في مكة المكرمة. لأن مكة المكرمة حرمت من هذا النوع من الجوائز المهمة. ولا يهمني أقوال أعضاء جمعية القال والقيل وأعداء النجاح.
لقد تحدث أخي الدكتور مصطفى عبد الواحد عن جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل للإبداع الثقافي والتي أُعلن عنها ببيـروت والتي كان من ضمن من فازوا بـها في هذا العام المفكر العربي الشهير (أُدونيس) الذي أثار حفيظة الدكتور مصطفى عبد الواحد فقد أسهب عن زندقة وإلحاد أُدونيس واستفاض بالتدليل على سوءات أُدونيس وما ألحقه بأمته من انهيار أخلاقي بتعرضه لثوابت الدين ومحاولة العبث باللغة على حساب الدين الإسلامي. ورفض الدكتور مصطفى عبد الواحد مثل هذه الجائزة لشخص مثل أُدونيس وخصوصاً وأنـها من مكة المكرمة. واحترم رأيه, ولكن لي رأياً مخالفاً له. فإن كنت أتمنى عليه قبل الكتابة مراجعة قوائم بعض من فاز من الكفرة والملاحدة ومنحوا جوائز إسلامية وعربية مشهورة لم يكتب ضدهم حينذاك. فلماذا نحن في مكة المكرمة بالذات؟.
وإن كنا نتوافق أن كثير مما كتبه أُدونيس هو إساءة إلى الذات الإلهية وأن هذا التعريض وهذا الرمز هو نتاج نفسيَّة لم تُربى على منهجية إسلامية صحيحة أو نتاج معاناة اجتماعية خلقت هذا الإحساس وكونت فيه هذا الرفض وهذه الضدية اللافتة للنظر وهذا الكره. ولكن جميع ما ذكره الدكتور مصطفى قد قيل أكثر منه في شخص أُدونيس. وقرأت الكثير من الكتب والمقالات في هذا الصدد. بل قرأت دراسات علمية مقننة في هذا المجال. ويبقى أن نسأل من هو أُدونيس ديناً ومعتقداً وما الأسباب التي أدت بنفر من أمثال أُدونيس للخروج عن مسار أُمتهم العربية والإسلامية واختيار الهجرة الفكرية حيث ينابيع الحرية في أحضان فرنسا وأوروبا واحتضنته تلك الدول الغربية وغذت مشاعره بالقيمة والتقدير والتكريم والرعاية, وأعطته الفرصة أن يعلن تميزه وتمرده لأنها وجدت فيه فكراً وهّاجاً حولته إلى تبني نظرياتها دون النظر إلى دين أو مذهب أو عقيدة وهذا ما حدا بالبعض أمثال الأستاذ عبد الله القصيمي إلى الخروج مثله عن الدين والإسفاف الذي انطبع في مؤلفاته. وكتب العشرات من الكتب التي تحمل كل صيغ الإلحاد والكفر. وكل ذلك بسبب ..(([التكفير])).. و ..(([العناد])).. الذي نمارسه ضد بعضنا البعض.
هذا كلَّه يجعلنا نسأل عن الأسباب التي أدت إلى بعض هذه النفسيات العربية لهذا الخروج. أليس هو نتاج معاناة الرفض والتهميش والازدراء, والحقد والحسد, والتكفير .[بسبب وبلا سبب]. وكأن قدر الإنسان مرهون بكلمة إنسان يمنحه فيها الجنة أو النار. وإن مفاتيح الجنة والنار بيد البعض. الذي يظن أنه قادر على منع هذا أو ذاك. وأعتقد أن القائمة ستزيد طالما أن المنهج العربي لم يتغير تجاه المبدعين ومحاربتهم ومضايقتهم, وتحقير أدوارهم الفكرية والاجتماعية.
أقول أن على الدكتور مصطفى عبد الواحد أن يعرف كيف كان سيدي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم والذي قال: ..((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).., يتعامل مع أُمته وكيف كان يتلمس الخير فيهم أكثر من تلمُّسه الشر. والسنة النبوية تحمل من الخيرية البشرية. فلماذا لا نحاول إعادة عقلية مثل هذه العقليات العظيمة بالحسنى وبدون التوبيخ والهمز واللَّمز والتكفير, والإخراج من الملة, إنه الإرهاب الجديد. لماذا لا نحاول أن نريه سماحة الإسلام ونشجعه على التوبة وخصوصاً وأنه في آخر العمر؟. هل يعتبر خطأ إذا رأينا أن من الأفضل أن يكون الصائح لنا لا علينا؟. وإذا عاد أُدونيس بالفعل إلى حظيرة الدين أفلا يكون هذا انتصاراً لأمتنا؟. فيجب أن نعيد الحسابات وأن لا نصرَّ على عناد لا يؤدِّي إلا إلى طغيان النفس البشرية وعنادها وصلفها فالنفس الإنسانية ترفض القسر والاحتقار. إن ..[العناد].. هو الذي أخرج إبليس من الجنة, كما أنه هو السبب في خروج عبدالله القصيمي من الإسلام كما قال لي. ألا يجب أن نتعلم من مفردات تراثنا الإسلامي العظيم الكثير من العبر والمواعظ, فمثلاً ألم يقل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته الشهيرة إلى هرقل قال له: ..((من محمد بن عبدالله, إلى هرقل عظيم الروم)). لماذا لم يشتمه أو يوبخه أو ينال منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ألم يصلي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن أبي سلول وهو شيخ المنافقين.
فعلى الدكتور مصطفى أن يقول لنا كم من زنادقة وملاحده ومنافقين قد حفل بهم التاريخ الإسلامي ومنهم من اهتدى ومنهم من ضل هذا إذا سلمنا بأن أُدونيس مسلماً أصلاً وعرفنا معتقده ومذهبه وإلا فليس بعد الكفر ذنب. وقلت للقصيمي ذات يوم إلا يمكن يا سيدي أن تعود إلى الصواب لتخدم بفكرك وقلمك هذا الدين الإسلامي. قال لي: يا أخ زهير أليست معي أن الوقت قد مضى. وأن الرجال لم يتغيروا بعد. و ..(([ المعنادون ])).. باقون ومتصدرين المواقع, بل أنهم في الصفوف الأولى.
إنني أعتقد أن الجائزة كانت في محلها فالجائزة أُعطيت لأُدونيس في الثقافة والفكر ولم تعطى له عن دينه أو عدمه وهذه جائزة محترمة قُدِّمت أيضاً لأمريكي كما تفعل الكثير من الجوائز العالمية المختلفة. إذن فنحن في هذا الوقت يجب أن لا نكابر إذا قلنا كم تتعامل الدول والأفراد مع ملاحده وكفرة بما تقتضيه مصالح الحياة بين الناس. أمَّا العقاب فهو من الله الرحمن الرحيم على ما يفعل الإنسان. وهيئة الجائزة ليست مخولة في البحث عن أديان الناس ومعتقداتهم وأخطائهم ولكن باب التوبة مفتوح ويكفينا حديث سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه, عندما قتل رجلاً في الحرب. وجادل الرسول أنه كافر فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (أشققت عن قلبه) أو كما قال حبيبنا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أفلا يجوز أن يثوب ويتوب أمثال أُدونيس ويعود إلى ربه أنعلم عن مكنونه وخصوصاً أن باب التوبة مفتوح حتى الغرغرة. وكفا .. وكفا .. وكفا محاسبة للنوايا!. علينا الرجوع إلى الحسنى وعدم التألِّي على الله في الهداية لخلقه. أنظرت أيها الدكتور في الحديث عن الرجل الذي قتل تسعاً وتسعون. كيف كان مآله؟. أليس لدينا غير ..[التكفير].. لغة وخطاباً؟. ألا نقدم الحلوى للطفل لكي يأنس إلينا ونقربه إلينا برغم أنه يختلف مذهبياً معنا؟.
هناك جوانب يجب أن نعطيها حقها من إعادة صياغة الدعوة إلى الله. ألم يكن المفكر الفرنسي الكبير, (روجيه جارودي) ملحداً وجرب الدخول في كثير من الأديان حتى اهتدى إلى الإسلام. ألم يكن الدكتور طه حسين ملحداً في يومٍ من الأيام وتاب إلى ربه؟!. وماذا عن الدكتور مصطفى محمود الذي اعترف في وقت من الأوقات بإلحاده ثم عاد إلى الصراط المستقيم بعد أن تفكر في قدرة الله وقدره؟. وتأمل لتجد أن العقل والقلب منوطـان بأوامر الله والله يهدي لنوره من يشـاء وها هو يقلب في صفحات الكون ليظهر لنا إعجاز الخالق سبحانه فيما خلق ويخلق. فكفا .. وكفا محاسبة للنوايا!.
أقول أخيراً في النهاية كلنا بشر وأمرنا إلى الله إن شاء رحم وإن شاء عذَّب وهو وحده لـه الأمر ما شاء يفعل. والقائل سبحانه: ..(( لا إكراه في الدين )).. لقد رأيت إن الإنسان القاسي لا يريد هزيمة الخصم فقط, بل تحطيمه, والسيّاف في فعل القتل لا يكتتفي بقطع رأس الضحية, ولكنه في فعل القسوة يريد موت الضحية وهزيمتها في هويتها. وجميل ما قاله الإمام مالك – رحمه الله – : ..((من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهاً, ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمل أمره على الإيمان)).. هذه هي عظمة وسماحة وتسامح ورقي الدين الإسلامي العظيم.
أُقدم الشكر والثناء لأمناء الجائزة وأعتبر أنـها أول جائزة فردية تقوم على النـزاهة وعدم العنصرية وجزاهم خير الجزاء. ونرحب بأي عمل من الأعمال الفكرية والثقافية التي تخرج من مكة المحمية. ونقف معها وخلفها. وأتمنى أن يقف الجميع مع مثل هذه الجوائز التي تبرز الدور الفكري والثقافي المكي. وهذا الاجتهاد الفكري والثقافي يشكر لآل باشراحيل ويكتب في تاريخهم.
والله يسترنا فوق الأرض, وتحت الأرض, ويوم العرض, وساعة العرض.
للتواصل: مكة المكرمة 5366611
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق