موت قلب الحاكم

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
  أديب وكاتب سعودي

أصر بإصرار غريب على أن تكون كل كتاباتي السياسية والنقدية مستمدة مادتها من كتب تراثنا الاسلامي . ففي ذلك الكثير من العبر والعظة والاتعاظ . لان التاريخ العربي ملئ بالمتناقضات والجرائم الشنيعة بين الحاكم والرعية . 
ويحكى لنا التاريخ العربي أن ..[ شهوة الحكم ].. أو ..[ السلطة ]..،. لا تشبع في ذات الحاكم العربي . 
وتلك الشهوة السلطانية ، حققت احتفالات واحتفالات لأصحابها ، بل أدخلتهم في أحداث مزعجة ومقلقة شعبية ، وغير معترف بسلوكياتها دينياً وإجتماعياً وسلوكياً . واوجدت كل أنواع .. [ الاحداث المجنونة ].. في المجتمع العربي . مثل ممارسة القتل والتعذيب والهتك والسجن والسحل للرعية ، فكانت افعال وسلوكيات مشهورة ومتشددة وغير سياسية وغير عقلانية . أوقعت الخلافات الكبيرة ، والفجوة الاكبر بين الحاكم والرعية . فارتفع سقف الطغائن بينهما ، وتعمقت الكراهية لدرجة الحقد . 
أزعم أنه أثناء الليل يصطف البطانة الفاسدة حول الحكام ، ويقعدون على أطراف المجلس ليشاهدوا ضحاياهم وهم يتعرضون للمضايقات والعذاب والتعب والإرهاق من كثرة مراجعاتهم لمقابلة الحاكم . وتلك البطانة الفاسدة تعتبر .. [ الشعب ].. القابع والمنتظر والمنتشر حول قصور الحكام ، انما هم .. [ تشكيل اجتماعي من الغوغاء ]..،. أصحاب الحاجات التافة . هكذا يصورون الأمر للحكام . ويغفلون خطورة الحراك الاجتماعي عندما يغضب من امتهان كرامته . والتقليل من شأنه . 
وتقمع البطانة الفاسدة .. [ الاحتجاجات ]..،. وبكل أشكالها ، وتمارس درجة عالية من السيطرة على الشارع والميدان ، ولكن .. ولكن .. ولكن أين هم يوم القيامة من جبروت الجبار المتكبر القهار ، ملك الملوك وإذا أراد شئ قال له كن فيكون ؟!.
فماذا سيكونون يوم القيامة ؟!.
وتعد تلك المراجعات من الرعية ، والتردد على قصور الحكام عادة عربية قديمة اوجدتها الدولة الأموية ، او دولة .. [ الطلقاء ]..،. كما أحب أن اسميها . وهذه من اللحظات المهمة في حياة الرعية العربية المغلوبة على أمرها . فتلك المشاهد لا نشاهدها في مشهد الصالون السياسي الغربي . 
صحيح أن الرعية تخاف من الطقوس المنتشية التي تمارسها البطانة الفاسدة لتزيد من الرعب والرهبة في قلب الرعية . وتشجع الرعية على احترامها وتقديرها . رغم أنفها . 
واليوم أصبح المشهد السلطوي يختلف ، فربما صار كوميدياً أكثر منه مشهد سياسياً . فتأتي الرعية لمقابلة الحكام وتقبل كل ساعات الانتظار وألمه الشديد على النفس البشرية . تفعل البطانة الفاسدة ذلك في الرعية بثقة أنه لا أحد يستطيع أن يعترض،بل تجد أن الرعية تطمع في كسب كل الأطراف المسيطرة على ذلك المشهد السياسي .  
ولا يسعى أحد منها لخسارة أي موظف أو مسؤول يسيطر على ذلك المشهد . كما أنه في المقابل لا يستطيع قادراً على فضح تفكير ما يدور في .. [ قاعات الانتظار ]..،.
وأزعم أن الحكام لا يعلمون كل ما يدور في تلك القاعات وأروقتها ، كما أنهم لا يعرفون ممارسات البطانة مع الرعية أثناء ذلك . 
ولكن أقول وللتاريخ أنه لا يوجد .. [ مسرح ].. في الصحراء !.
يظل المحكوم يتألم من ممارسات البطانة ويردد علناً بقوله : أنا إنسان كغيري ، أنا إنسان مثلكم تماماً من حقي مقابلة الحاكم . فأنا لست شيطاناً تخافون مني . وكل ما أفعله هنا وراءه ذرائع أهمها أن يعرف الحاكم ..(([ مظلمتي])).. واريد أن يرفعها عني . وهذه الذريعة من الذرائع الصالحة في الاسلام ، لانها في المحصلة ذرائع إنسانية . 
فرفع الظلم والحاحة والفاقة عن الرعية في المجتمع يفقد الشيطان وظيفته ، وتنتفى أسباب وجوده . لأن الصراع بين الحق والباطل يختفي . 
والحاكم يظلم ، بعلم او بغير علم . ولكنه عند موت يشعر بذلك الظلم الذي مارسه على رعيته . 
وقد يتراجع بعض الحكام عن بعض مواقفهم السلطوية ، ويشعرون بما سببته قراراتهم من ظلم وجور على الرعية . والأمثلة كثيرة في هذا الجانب السياسي من تاريخ أمتنا فمثلا ، 
يروي أن الخليفة الأموي ..( الطليق )..، عبدالملك بن مروان لما أشتد عليه مرضه عند قرب موته قال وهو يحتضر : (( أرفعوني على شرف ، ففعل ذلك ، فتنسم الروح ثم قال : يا دنيا ما أطيبك ، أن طويلك لقصير ، وإن كبيرك لحقير ، وأن كنا منك لفي غرور ، وتمثل بهذين البيتين :
ان تناقش يكن نقاشـــك يا رب عذابا، لا طوق لي بالعـــــــــــذاب 
أو تجاوزت فأنت رب صفـــــــــوح عن مسئ ذنوبه كالـــــــــــــــتراب 
كما يروي أن عبدالملك بن مروان قال للعالم الجليل سعيد بن المسيب : (( يا أبا محمد صرت أعمل الخير فلا أسر به ، واصنع الشر فلا أسا به . فقال : الآن تكامل فيك موت القلب )). وكما جاء عن عبدالملك بن مروان أن سعيد بن بشير قال : أن عبدالملك حين ثقل جعل يلوم نفسه ويضرب يده على رأسه ، وقال : وددت أني كنت أكتسب يوما بيوم ما يقوتني وأشتغل بطاعة الله ، فذكر ذلك لابن خازم ، فقال : الحمد الله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه )) . 


هذه نهاية طبيعية لأي حاكم ظالم ، ظلم رعيته ولم يهتم بها ، ولا ينشونها . بل عمل على تنمية شهوة الحكم . 
ويا أمان الخائفين .

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: