أديب وكاتب سعودي
من الصعب فهم كيف تتحول بعض القيم والمثل والمبادئ والأخلاق إلى .. [ رماد ].. يكب في وجه المثقفين والمصلحين . ويكون ذلك .. الرماد .. إلى إسهام مهم في تدمير ما تبقي من قيم ومثل ومبادئ وأخلاق . وتحول القيم والمثل والمبادئ إلى .. رماد .. هو إرهاق للرأي العام .
إن الإصلاح والتصحيح في المجتمع وإعادة الأمور إلى مواقعها وطبائعها لا يبدو مشجعا للإقدام على ذلك . لأن المجتمع يعيش حالة من حالات ..(([ التسفل ])).. أو ..(([ الاستحمار ]))..،. إن من يرغب في الإصلاح ومحاربة الفساد ينبغي أن يقدم للشعب ما هو مثير وملتهب لكرامتهم وإنسانيتهم . للأسف يتغافل الكثير من بني قومي أن كل الأشياء معرضة للتغيير ، وبالتالي نحن نتغير معها تلقائيا . وخاصة أن .. [ التغيير ].. أصبح قوة العالم .
وأزعم أنه في كثير من حالات الإصلاح أن وجهه النظر المنطقية لن تلقي حماساً من قبل الشعب ، ولا دعماً معنوياً. بسبب.. [ النفاق ].. و.. [ الرياء ].. و.. [ المداهنة ].. و.. [ الكذب ]..
و.. [ التلون ].. إن ذلك التعصب الشديد لمثل هذه الرذائل من الأخلاق التي تبديه بعض فئات الشعب تستند إلى أساس واحد هو ..(([ الخوف ])).. والتهرب من العقوبة والعقاب من السلطة . إنما يتحمل المجتمع جانبا من مسؤولية الخوف ، وإثارة عدم الثقة في المثقف المصلح .
أنها .. [ الطاعة غير الرشيدة ].. للسلطة .
بيد أن الحاكم ينسى بقصد وسوء نية أن .. [ الطاعة ].. عنيدة وماكرة في ذات الإنسان الحر ، ومع هذا فلا شيء يقابل بالمقاومة أكثر منها . أن .. [ الطاعة ].. أكثر مكر وعناد من الجبال الراسخات في الإنسان الحر .
يحرص وبكل تأكيد المثقف المصلح على ألا تتكون حوله أي هالة زعامة ، وفي كل مرة يؤكد المثقف المصلح أن المناصب والزعامة ليست هدفاً عنده . فهو يتعامل باللغة المنطوقة اجتماعيا ، واللغة المنطقية . وتعامل المثقف المصلح مع قضايا المجتمع ومع الأزمات يعكس فهما عميقاً للواقع والثوابت ، ومرونة كبيرة في التحرك بين هذه وتلك لتحقيق ..[ المقاصد الإصلاحية ]..،. مما يدفع السلطة الاعتراف بوجاهة دورة وأفكاره ومبادئه . لم يطلب المثقف المصلح من مجتمعه أن تقبل يده كدلالة على الاحترام والتقدير، أنما أراد أن يفهموا مقاصده الإصلاحية .
■■■
أن بعض الناس في بني قومي لا يفهمون معاني المصطلحات ولا يفهمون الأشياء على حقيقتها . فيعتبرون الإصلاح حالة من حالات .. [ الشغب ].. أو .. [ المشاغبة ].. فلذلك يصفون المثقف المصلح بأنه .. [ مشاغباً ).. ويتغابون حين لا يفهمون أن التغيير شيء ، والتطوير أمر آخر . لان التغيير سنة من سنن الله وأما التطوير فهو عمل أخلاقي وإبداعي وهو جدلي . والإصلاح عادة يدعو .. [ للتطوير ]..،.
والخيارات كانت صعبة جداً ، فهو يدرك أنه غير قادر على مواجهة السلطة دون دعم ومؤازرة المجتمع له ولمشروعة الإصلاحي الوطني . وفي المقابل يؤكد المثقف المصلح وعلى الدوام أنه .. [ غير راغب ].. في استعداء السلطة . وهذا منهج سياسي يدل على فهم المثقف لواقعه والقدرة على استخدام آلياته بشكل جيد ولصالح الوطن . أي أن كل مواقفه تتسم بالمرونة . وأيضاً لم يقلب الطاولة على أحد . وذلك بهدف تحقيق أهدافه الإصلاحية ، والأهم من ذلك تأمين مشروعه الإصلاحي لأن المثقف يفهم معطيات الواقع السياسي والديني والثقافي والاجتماعي الوطني .
وفي كثير من الأحايين يعاني فيها المثقف المصلح اختناقاً كبيراً بسبب ضعف وعى المجتمع ، وأيضاً بسبب .. [ تسفل المجتمع ].. رغم أنه أختار خطاباً ..[ غير صدامي ]..، بل إنه أختار الخطاب الذي يجبر السلطة على الاستماع له . وعدم مقاومة مشروعه الإصلاحي دون أن يترتب على ذلك خسائر سياسية أو ثقافية .
وهذه المساحات ، وهذه التوجهات ، لم يستطع الكثير من أبناء المجتمع فهمها وإستعابها . بل فضلوا ..(([ التسفل ])).. و..(([ الاستحمار ]))..،. على الدين والوطنية . وسؤالي الملح دوماً هو : ما المكسب الذي تحققه تلك الفئات من النظر إلى .. [ الفساد ].. وسوء وتدني الكثير من الأوضاع ؟!. ثم لماذا تكون مواقفهم سلبية ضد المثقف ؟. أنها أسباب تدعو لعدم الارتياح بل والغضب . بل أنها قد تتضمن تمييعاً للأمور وخلط فيما بينها . ويكون ضرره أكبر من نفعه . خاصة أن الكثير من بني قومي ليس لديهم الإرادة .. [ للإصلاح ].. وآخرون ليس لديهم قابلية نحو .. [ التغيير ]..،. وهذه هي شريحة من ظاهرة .. [ الاستحمار ]..
غفلوا بقصد ـــ وسوءنية ــ أن المثقف المصلح حاول إصلاح ما هو قائم بالفعل في المجتمع . دون أن يعمل على إيجاد استفزازاً للأطراف الأخرى . بل أنه أحترم كل أسباب التهميش السلطوية لما يقدمه من أفكار ومبادئ إصلاحية . ورغم كل ذلك لم يغضب المثقف ، ولم ينفعل ، ولم ينفجر ، وهذه هي أحد أهم عناصر القوة الداخلية في شخصية المثقف المصلح . أن المثقف في حاجة ماسة لأرض صلبة ليقف عليها ليكون هو لا غيره . عندما يستطيع الإجابة على كل الأسئلة الصعبة . حتى يضطلع بالتعبير والدور معاً. لان المثقف الحق والمصلح هو الذي ينشق على الأوضاع القائمة ويسعى إلى تغييرها بإثارة مناخ إصلاحي .
لهذا نجد أن المثقف المصلح تجنب صراعاً مبكراً مع أركان السلطة وقواعدها ، وأن زج به في ذلك الصراع فتكون المبادرة من السلطة ذاتها . وذلك الصراع يستنزف مجهود المثقف المصلح بشكل كبير ، ويخرج منه بالتأكيد مجروحاً على أقل تقدير في كرامته والتي تنال منها السلطة والمجتمع معاً .
لم يعد بإمكان أي مثقف مصلح يسعى للإصلاح وعلاج مشكلات مجتمعه أن يتجاهل عقوبات السلطة . وهي تمثل توليفه كبيرة من المواقف السياسية قد تختلف صحتها وسلامتها وخطئها من زمن لآخر ، ومن مسؤول لآخر . إلا أن منهج السلطة واحد في العقاب ، ووصفتها تتمثل في امتهان كرامة المثقف وأهانته بسجنه وتعذيبه ومطاردته . وهذا الأمر يسبب حرجاً شديداً للمثقف مع أهله وأصدقائه وأقاربه وأرحامه .
ويعي أن ذلك التشابك في المصالح هو الذي يسبب حرجاً شديداً له . وهو من يخلق الأزمات المتعددة له . ولقد أعترف المثقف بمعطيات الواقع الاجتماعي والسياسي . ولكنه رفض حالة .. [ التسفل ].. و.. [ الاستحمار ].. من قبل المجتمع .
وهذا هو .. [ فقه الواقع ].. الذي تعامل معه المثقف المصلح . لذلك فلم ينفجع من نذالة وخذلان المجتمع له . وإذا كان المثقف الإصلاحي فهم الواقع والدخول السلس في المعالجة السياسية ، فإنه حرص أن يفعل فعل الإصلاح دون الاصطدام بقواعد السلطة فهو حريص على وحدة الوطن ، وعدم المساس بالذات العليا للحكم . ولا يحب الالتفات لاستفزازات السلطة والمجتمع معا . ولا يحب أن يقع في موقف محرج يصعب معا إيجاد صيغ التوافق معهما . لأنه يعرف ويفهم ويعي أن اليد العليا هي للسلطة .
أدرك المثقف الإصلاحي أن محاولة تغيير الواقع قبل تغيير معطياته هي معركة خاسرة من البداية ، أن معطيات الواقع المجتمعي تقول أن المجتمع يخاف من تأييد المثقف المصلح ، رغم أنهم يعرفون أنه يحقق لهم مكاسب . ولكن يغفل الشعب أن الكلمة الأخيرة تبقي لفقه الواقع والذي يؤيد عمل المثقف الإصلاحي لوضوح رؤيته . وخاصة أن المثقف وكما قلت يملك حسن فهم واقع الشعب السياسي ، ويعي حجم التغيرات التي يحتاجها المجتمع من أجل إصلاحه وتنميته ويتفهم بوعي .. [ الاحتقان ].. الذي يصيب المجتمع . ولكنه يعرف بعمق مهم أن ميزان القوة ليس في صالحه ، فلذلك فهو يتجه نحو التعبير بالكتابة والرصد والتحليل والاستنتاج . الكثير من الشعب لا يحب فعل .. [ التضحية ].. وأيضا يحب بل يعشق لؤم وتقريع ..(( المضحون )).. وهذا النوع من الشعب هم الذين تحجرت قلوبهم ، وتصلبت عقولهم ، وصدأت طموحاتهم . ولا يدركون أن ثمن ومصاريف هذه المواقف كبيرة في حق الوطن والتاريخ . أماهم فلا وزن لهم في معادلة الوطن والمواطنة . لأنهم جزء مهماً من ظاهرة .. [ الاستحمار ]..،.
ولا بد أن نستوعب تجاريب الآخرين ، حتى لا نسمح بتكرار أخطائنا الكثيرة والتي لا تنتهي . أخشى ، ما أخشى أن لم نغير من أخلاقنا الرذيلة ونفوسنا المريضة سوف نقوم بالانتقام من أنفسنا . وقبلها نكون قد فقدنا قوتنا وقيمنا ومبادئنا ومثلنا .
والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .
للتواصل :5366611
Faranbakka@yahoo.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق