الإنسان العربي في لوحة

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
اديب وكاتب سعودي 

أعجبت أشد الإعجاب الكبير بالرسم الكاركاتيري الفني الرائع الذي نشر بالصفحة الأخيرة بجريدة الوطن بالعدد (2085) , وأسباب الإعجاب تعود إلى : 
أولا: هذه تحية أعجاب وتقدير ومحبة لهذا الفنان المثقف السعودي الرسام الرائع والمبدع . الذي اختصر المسافات الطويلة ، ولف ووقف في مساحة صغيرة . حيث وتلفت قدرة بعض الرسومات الهزلية لوضع السلطة والمثقف على إثارة بعض الاضطرابات في دواخلنا . فقد تشير إلى الحساسية المفرطة عند السلطة من تمرد المثقف ضدها. خاصة انها ترسم باسلوب السخرية وتلفت انظارنا كذلك كمثقفين الى القوة الواضحة التى تحرك السلطة ضد المثقف. فقال لنا هذا الرسام . برسمة الكثير من المعاني والدلالات . 
ثانياً: سبحان الله في هذه اللوحة استطاع هذا الرسام المثقف ان يجسد حالة الإنسان العربي في لوحة صغيرة تشغل مساحتها 10 ×10سم . ونحن معشر الكتاب والمثقفين والأدباء والشعراء كتبنا المقالات والكتب والبحوث والقصائد من أجل تجسيد حالة الإنسان العربي . ولم نستطع الاختصار!. كما فعل هذا الرسام . بل ان بعض المثقفين العرب صور علاقة الثقافة بالسلطة على انها مملكة النبلاء . وجاء هذا الرسام المثقف المبدع ولحضها في مرتكزات على شكل عامودين هي :
 1/: الإنسان العربي: ركز الرسام على المخ والعين والأذن , والأنف , والفم . مراكز ومفاصل التفكير والتبصر . 
 2/: السياسي العربي: ركز على ما يهم هذا السياسي من السيطرة والتحكم , والإستخبارات , والمباحث , والأمن الوقائي , والإعلام .
تحية .. وتعظيم سلام لهذا المثقف السعودي الرسام المبدع .. لتلخيص هذه الحالة العربية العامة ، والخانقة ووضع باختصار مغزاها ومراميها . ولكن سؤالي القائم هو . هل من يهمهم الأمر شاهدوا هذا الرسم الفني العربي الرائع والمعبر . والمضغوط مثل أكلات القدور المضغوطة والمنتشرة هنا وهناك وهنالك . أتمنى أن يكونوا قد شاهدوه وتعمقوا في قراءته , ومن عدة زوايا . ربما .. ربما .. ربما .. لوصلوا لشيء ما .
أن .. [ الحرية ] .. لم تعد ضمن مفردات القاموس العربي ، وليست من ضمن أشكال المشهد العربي العام. ولا يستطع أن يكتبها كاتب أو أديب على إهداءاته . لذلك جاءت رؤيته للأمور ناقصة وعرجاء كالبطة العرجاء . بل انها مرتعشة وخائفة في بعض حالاتها . وأصبح قوس الكاتب والمثقف العربي لا يتسع لأي نوع من النبال وجروبه لا تجد فيه إلا جراب السلطة والسلطان . ورأي بعض المثقفين ومنهم المفكر والناقد الراحل هشام شرابي ، على ان الثقافة لغة أمة ، ولسان الجماهير وهي تهتف بالحق العام . 
وقد نلوم ، وقد لا نلوم بعض الكتاب والمثقفين السلطويين حين يمارسون فعل الكتابة بعيداً عن حرية التفكير ، والانحياز نحو النظر لمقعد السلطان ، وبعضهم لمن يختلف مع السلطة والسلطان لا يستطيع ان يفعل فعل الكتابة بحرية وموضوعية . إن التوجه المتزايد لإغفال كثير من جهود المثقف ومحاولة تشويها من قبل السلطة بمعيار الارهاب . لا يعد ان يمثل اضطرابا قد يؤدي الى تقسيم خطير لشخصيته. قد تتحمل السلطة مسؤوليته المباشرة . 
ان السلطة العربية وخاصة الخليجية تملك مساحة كبيرة من الكراهية والكره 
.. [ للحرية ] .. فلقد حرم وسوف يحرم منها المواطن . ما دام ان نظام الحكم يقسم السلطة الى .. [ حكام ] .. و .. [ اوصياء ] .. فبعضها الدول يحكمها حكاماً ، وبعضها يحكمها 
.. [ اوصياء ].. على الشعب ، وهذا تسفيه بقيمة الشعب . وما لم تغير مناهج وأفكار و رؤي السلطان في الحكم والمنطقة . وأخشى ما أخشى أن يكون هذا التغير على حساب المواطن . لا ن التغير قادم لا محال ، ولكن لا نريده من الخارج . لان قيمة التغيير الخارجي .. [ قيمة 
مضاعفة ] .. ،. قد تعمل على زحزحة الصورة العامة والخاصة للوطن . فالحرية هي أساس تكوين إضاءة الحياة والفكر وهي .. [ الحبل النفسي ].. الذي يربط الإنسان بالحياة ذاتها . ومهما يكن من أمر ، فإن الحرية تقتضي الا يستعمل السلطان سلطانه لقمع المواطن الغلبان . 
فلماذا فقد من في السلطة .. [ كيمياء الحرية ] .. ،؟ أن وعي الإنسان السياسي والايديولوجي يزيد من مساحة حبه وعشقة للحرية . وسيظل الركض خلفها مهما ترتب على ذلك من تحديات وصدمات ومنغصات و أوجاع وهموم . 
أن .. [ الحرية ] .. هي أهم شرط للواقع وقبول قياسات المرحلة الجديدة ، مع هضم المتغيرات المختلفة ، وخاصة السياسية منها . لان قبول ذلك يعني تكوين .. [ وعى جديد ] .. مغاير للوعي المفروض . ومن هنا يبدأ الصراع الشديد بين الوعي والوعي المغاير . فلم يعد ممكنا اليوم وبأية حال أن تظل الأحوال كما هي دون تغير أو تطور أو رقي . 
وكل سلطان ونظامه واضع على رأسه كل شئ ، دون أن يشرك أو يشترك المواطن في 
كل ذلك . يقع خوفاً من انفلات حبل الحرية . 
أن تحولات الواقع العام وعنف الأحداث المفاجئ والسريع يفضي إلى أن نخرج من هذه المرحلة بقياسات جديدة .. [ للحرية ] .. نصوغها وفق متطلبات المواطن . لا وفق هوى السلطة والسلطان . لا بد أن تفعلها السلطة وان تعددت ثقافات الاختلاف في المجتمع الواحد . وبكل طاقاته واقتحاماته وتقلباته . لا نريد أنموذج الحرية المطلوبة مثل الذي يتمنى السباحة من قبل يتعلمها . حتى لا يسقط هذا المشروع الإصلاحي ، فتسقط وظيفته ودوره . 
نعم .. هناك من المثقفين الخليجيين والسلطويين يقبعون في أبراج عاجية ، ومكاتب مكيفة ، وزجاجية قاتمة ، ذلك الزجاج مقاوم للصوت الجماهيري والحجارة والرصاص . هذا المثقف السلطوى الخليجي هو الذي وضع للسلطة الخليجية التصنيف المبالغ فيه ضد 
.. [ المثقف الحر ] ..، مما أدى الى تضخيم المخاوف صد ذلك المثقف الحر . وبالتالي تطور الامر الى تضخيم صوت العقوبات السلطوية ضده . ومن ذلك ان يعامل .. [ المثقف الحر ].. على انه ..(([ معارض ])).. للسلطة . 
وسعى .. [ المثقف الحر ].. الى التغلب على كل تلك التوترات والمجابهات التي نتجت عن ذلك التصنيف . ولم يستطع .. المثقف الحر .. تبني وجهة نظر السلطة . التي تدعو للضغوط على المواطن ، وخاصة كثرة .. [ المن ].. عليه ، بان ايصال الماء الى منزله هي 
..[ مكرمة من السلطان ]..،. وان تعليمه هو ايضاً .. مكرمة من المكرمات السلطوية . ولم يبق الا ان يدعي السلطان وبطانته ان .. [ الهواء ].. الذي نستنشقه هو .. [ مكرمة من السلطان ]..،.
فالمثقف السلطوى الخليجي لم يستطع في ظل معطيات هذه المرحلة وافرازتها المتلاحقة ان يعمل على تحديث الخطاب السلطوي. 
فاين .. [ التسامح ].. ؟. وكأنهم نسوا قوله تعالى : ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) آل عمران 134 . وقوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) سورة الشورى 40 .
واين .. [ التفاهم ] .. من أجل مصلحة الوطن والأمة ؟. وكأنهم نسوا قوله تعالى :
( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة المائدة 2 . 
وأين .. [ التحاور والتقارب ] ..؟. وكأنهم نسوا قوله تعالى ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) سورة آل عمران 159. وقوله تعالى : ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) سورة الشورى 38 . 
هذه المفردات واعني .. [ التسامح والتفاهم ، والتحاور والتقارب ]..،. هي المفردات التي يفترض ان تتقدم وتطغي على الخطاب السلطوي . ولكن .. ولكن .. ولكن !.
فلو تم ذلك لا ستطاعة السلطة البعد الكلي عن .. الصراعات .. مع المثقف الحر ، والغت محاولات الزج به في أثون الصراعات السياسية المباشرة معها . وادخلته سجونها السياسية والعامة . واللافت ان اؤلئك النفعيون الذين يودون القضاء على .. [ المثقف الحر ] .. إنما هم يشجعون في الواقع على تدمير الوطن والمواطن . وقد يخلق ذلك الاضطراب الفكري والثقافي في الوطن . خاصة اذا تعرض .. [ المثقف الحر ] .. لمزيد من ..(([ الاهتياج ])).. المحرق لمكتسباته وانجازاته. والسبب كله ذلك التصنيف فشيوع .. [ التصنيفات ].. في الحالة الثقافية واشتهارها تودي الى خلق فتن في الوطن الواحد . خاصة انها تعمل على خلق 
..(([ التمايزات ])).. وتشكل ..(([ الانتماءات السياسية ])).. فالحذر الحذر من كل هذا وذاك . 

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض ، ويوم العرض ، وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk


ليست هناك تعليقات: