احتقار ومحاربة الفكر

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتب
أديب وكاتب سعودي
هل ارتقى الفكر في هذا الزمن ؟. كيف يرتقي .. الفكر في هذا الزمن ؟. زمن .. ( ما يكل جاكسون ).. وعدويه ، زمن يعشق الرقص وتكرم الراقصة ، ويحارب ويحقر العالم والمثقف والمفكر . هذا الزمن الذي يكرم فيه مثل الملاكم العالمي ( تايسون ) ، لقوة عضلاته الزمن الذي يكرم اللاعب الرياضي أكثر من تكريمه للعالم والمفكر والمثقف والأديب . واستذكر هنا قولاً 
( لونستون تشرشل ): (( أن أكبر درس في الحياة هو أن ندرك انه حتى الأغبياء يصيبون الحقيقة بعض الأحيان )). فهذا الزمن هو زمن المال وقوته ، وما يخلفه ويفعله المال لشراء الذمم والكرامات . فالإنسان الحر المستقيم والمصلح يقاوم ويغرى بالمال . فهذا الزمن القوة فيه للدرهم والدولار . فما أكثر العلماء والفقهاء والمثقفين الذين ثم شرائهم بالمال . ودفعت السلطة كل ما تملك من أجل إسكات أصواتهم ، وتغير مبادئهم ، وتحويل قيمهم . فأصبحوا أفضل الأبواق للدفاع عن ظلم وجور الحاكم . بل أن بعضهم زاده الله عماء في بصيرته فأصبح يبرر كل أفعال وقرارات وأعمال الحاكم والتي هي في أساسها تسير ضد مصالح الرعية .
أن هذا الزمن هو زمن .. القوة .. والعنف ، ولكن يغفل الكثير أن طقطقة عضلات الرقبة لا تعبر عن القوة ، فقد تكون مؤشر لوجود مرض في ذلك الموقع . لقد كانوا في الماضي يقدسون ويحترمون .. الفكر .. لذلك شهدت الأمة الإسلامية أرقى الحضارات والقفزات العلمية. وفي تقديري أننا لن نستطيع بالفكر وحده أن يكون لنا دور في تشكيل المستقبل وإنما بقدر قدرتنا وكفاءتنا وسعة صدرونا للرأي الآخر ، وقبولنا بالحوار والمناقشة . حتى لا ينقلب السحر على الساحر . واغتصاب .. الفكر .. هو الاغتصاب لحرية الإنسان وآمنه . فعلينا أن لا نتسم بمعاداة العقل . ولا نريد أن ندير طهورنا لكل جديد ، ولا نفرض معايير ومقاييس الماضي على هذا الجديد حتى لا نصاب .. [ بالرده الفكرية ] .. ، لا فرض سلطة فكرية على المجتمع ، فهذه الدعوة تعنى الجمود والاستبداد والتعسف . فاستغلال السلطة لتصفية الخصوم الفكرين يعتبر .. كارت رابح . في لعبة غير شريفة . فكيف يكون هذا الزمن الصولة فيه .. للفكر .. وهذا حالنا .
لقد أصبح ..(( الفكر )).. في زمن عدوية و ( تايسون ) مثل الأسهم في أنظمة الشركات ، فهناك اسهم عادية ( Ordinang ) ، أو بدون حق التصويت ( Non-Voting ) أو ذات أفضلية (Preferred ) ، وكذا هو شأن الفكر في المجتمع . فالبعض يتباهي بفكر أساتذته ، والآخر يفتخر بفكره ، والثالث يعشق فكر مدرسته التي تعلم منها . والفكر الذي افتخر به هو الذي يعلم كيف يكون الاختلاف نبلاً واحتراماً وليس تصفيات . فصاحب الفكر النقي الرشيق والأنيق هو صاحب القامة الشامخة لأن فكره كبير . ونقول لأصحاب هذا الفكر انتم الآهلون وانتم الأثيرون . وهذا الفكر يقف بشموخ حينما تصيبه السهام من كل مكان وزاوية . لأنه يملك الفارس والحصان والسيف والترس ، ولا يخيفه غبار المعركة . لان هذا الفكر يستند إلى ..( الصدق )).. وهو رؤيته ، و..(( الصراحة )).. ذوقه الرفيع ، و .. (( الحق )).. معوله ، .. 
و .. (( العدل )).. حكمته .  
علينا أن لا نحتقر ولا نقصى الفكر الآخر . فالفكر يكره القوة لفرضه ، فعندما يريد التيار الإسلامي فرض فكره وأرائه وفتاواه بالقوة . فانه لا يقبل ، ولن يقبل وان تمت مساندته من السلطة . لا بد أن نعى أهمية .. [ الإقناع ].. أو .. [ الاقتناع ].. في التعامل الفكري . فكما قلت لكم أن الملاكم العالمي ( تاسيون ) فاز بقوة عضلاته الجسدية ، ولم يفز بفكره وثقافته . وكذلك عدويه اشتهر بقوة أوتار حنجرته أو صوته ، وعندما لم يكن يملكون ثقافة فهم الآخر ، انتهت أسطورتهما ورحلت أسمائها ، بل ونسيت أعمالهم المشهورة حينذاك .
ان احتقار الفكر ومحاربته أنما نابع من حرب ثقافية غير معلنة ، ولكن اطرافها غير متكافئين . بيد ان المؤسسة الدينية العربية هي المسيطرة على الساحة في المنطقة . وهذة السيطرة تمت لانها تستمد قوتها من مؤسسة الحكم . ولكن لاحظت كغيري من المثقفين ان خصوم المؤسسة الدينية والمختلفين معها ، أصبحوا يشكلون عبئاً كبيراً عليها . لانهم استطاعوا ان يكشفوا ويوضحوا الكثير من الأمور والقضايا والخفايا والخبايا . والتي كان من الصعب تناولها بالكتابة او المناقشة . بمعنى ان وضع هذه المؤسسة بدء يضعف ويضعف كثيراً . فلو نظرنا إلى الساحة المصرية لوجدنا ان المؤسسة الدينية حاولت منع بعض الكتب والافلام والبرامج التلفزيونية ولكنها لم تنجح . وكذلك في السعودية فلم تنجح هذه المؤسسة بانزال بعض الكتاب الى ساحة القضاء للحكم عليه نتيجة كتابة بعض المقالات مثل قضية الدكتور حمزة المزيني وغيره وكذلك محاولة منع مسلسل طاش ما طاش . وايضا في اليمن ، وفي لبنان وغيرها . 
أن المشكل الحقيقي وراء عملية احتقار ومحاربة الفكر هي ..(([ الاستبداد ])).. 
و..(([ الاقصاء])).. ،.
اضطرني استخدام التعميم في هذا المقال واعى ان التعميم فيه ظلم ، والذي يرتبط عادة بهاهش للخطأ هو احترامي لتعليمات الجريدة التي انشر بها .
ونقد المؤسسة الدينية العربية يعتبر أمر خطيراً ، وتجاوز لكل الحدود ، فالحديث عن قدس الاقداس أمر بالغ الخطورة لقناعة الكثير من الكتاب والمثقفين ان هذه المؤسسة لها حصانتها وان اعضائها دائما القول بمقولة ابن عساكر : (( ان لحوم العلماء مسمومة )).. ولقد اثبت التجربة عكس مقولة ابن عساكر . فلقد استطاع المئات من المفكرين ، والمثقفين والكتاب نقد هذه المؤسسة الدينية العربية ونجحوا في كشف الكثير من المستور على ، رأسهم الاستاذ الدكتور محمد سليم العوا في كتابه / أزمة المؤسسة الدينية ، والدكتور فرج فودة في كتابه / الحقيقة الغائبة ، والاستاذ حسن بن فرحان المالكي في كتابه / داعية وليس نبياً . والشيخ ابو بكر جابر الجزائري في كتابه / وجاءوا يركضون . والاساتذه عبدالحي الغمروي وعبدالكريم مراد في كتابهما / واعظ غير متعظ ، والشيخ محمد علي الصابوني في كتابه / التبصير ، ومعالي الشيخ يوسف بن السيد هاشم الرفاعي في كتابه / نصيحة لإخواننا علماء نجد . وانا شخصياً كتبت عدة كتب في هذا المجال منها : الستر في الاسلام وغلو المحتسب ، وينزلق ثلج الصحوة الدينية ، ونقد جراحي بلا تخدير . وكتاب حتى لا تكون فتنة للدكتور غازي القصيبي . 
هذا عداً العشرات بل المئات والمئات من المقالات الصحافية التي نشرت في مختلف الصحف والمجلات العربية بمختلف تصنيفاتها . يضاف لذلك ما يلقي من محاضرات ولقاءات . بل ان حتى شعراء الأمة شاركوا في هذا العمل ، ولعل قصيدة المفسدون في الأرض ، للشاعر الاستاذ عبدالمحسن الحليث خير انموذج لذلك . 
وتعود أسباب تحقير الفكر ومحاربته لرغبة بعض أعضاء المؤسسة الدينية إقصاء الآخر ، ورفضهم التام للنقد ، والتشكك ، او التنبؤ بالمستقبل . ويعتبرون كل ذلك يهدد مستقبلهم.
المطلوب في هذه المرحلة هو ان نكون صف واحد لتجديد فكرنا العربي والإسلامي ، بهدف التجديد والتنوع ، ونجعل العقل هو الفيصل في الحكم من قبل الأمة ، وعلينا أن لا نغلب فكر على فكر باستغلال سلطة مؤسسة الحكم . وهذا يتطلب أن يكون أعضاء المؤسسة الدينية أوسع صدراً وأكثر رحابة ، وأكثر قدرة في التعامل مع الآخر . فالمرحلة ومتطلباتها ومعطياتها ومتغيراتها لا تتحمل أن نحمل الأمة على رأى واحد ، وحكم واحد ، فان الإصرار على ذلك يعني بروز وتمركز القمع الفكري السلطوي ، وسيطرة الفكر السلطوى على أي فكر آخر . فان ذلك يبشر بمخاطر خطيرة على مستقبلنا . نعم لا بد ان يتجدد النص الديني حسب معطيات ومتغيرات وإفرازات المرحلة . حتى يظهر الأنسجام في كل شئ لدينا . ولا بد من احترام التباينات الفكرية والاختلافات الإيديولوجية الثقافية والسياسية . فلم يكن ولن يكون .. [ الاختلاف ].. في الرأي خللا في الإنسان ، ولم يكن ولن يكون .. [ التعدد ].. خطراً على الأمة . وهذا ما يجعلني أسعى بقولي ان تحقير الفكر ومحاربته ، وقمع الاختلاف ، هي أهم عوامل تفرقنا وتمزقنا ، وبل أن ذلك يخلق فينا .. (([ الكراهية ])).. ضد بعضنا البعض .
أن إصلاح أحوالنا وأوضاعنا ومعالجة مشاكلنا أنما تبدو لي كمثقف أنها .. [ قضية فقهية وثقافية وفكرية ]..،. علينا أن نتفهم ونستوعب ذلك بهدوء تام . بعيداً عن التعقيدات السياسية . والتي أصبحت تفرق ولا تقرب . 

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

للتواصل :5366611  
Faranbakka@yahoo.co.uk



ليست هناك تعليقات: